في سودان الـ20 انقلابا.. جمر حلم تحت رماد الحرب

في السودان، عين رئيس وزراء مدني جديد في محاولة لإعادة بناء ما تبقى من الدولة، التي تشير التقارير إلى أن 80% من مؤسساتها قد دمرتها الحرب.

أرقام الأزمة وحدها تكفي لرسم المأساة، أربعة ملايين لاجئ عبروا الحدود، أكثر من 13 مليون نازح داخل البلاد، عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، و25 مليوناً مهددون بشبح المجاعة. وكل هذا خلال أقل من عامين فقط.

فمنذ عام 2023، تدور حرب مدمرة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حوّلت العاصمة الخرطوم إلى مدينة أشباح، ودمرت البنية التحتية للدولة، ومزقت النسيج الاجتماعي لمجتمع كان يلتمس طريقه نحو التحول الديمقراطي بعد سقوط نظام عمر البشير.

في السودان وخلال الحرب، يأتي تعيين كامل إدريس، وهو شخصية دولية مرموقة شغل سابقاً منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية  كرئيس وزراء جديد. خطوة يعتبرها البعض محاولة متأخرة لاستعادة الواجهة المدنية للحكم، فيما يراها آخرون مجرد غلاف سياسي لسلطة عسكرية لا تزال تمسك فعلياً بزمام الأمور.

لا يمكن إنكار الرمزية السياسية لهذا التعيين، خاصة بعد أربع سنوات عاشها السودان دون حكومة مدنية فعالة. لكن ما الذي يعنيه هذا التعيين في بلد تسيطر فيه القوة العسكرية أكثر من الدستور؟

يجيب على هذا التساؤل د. عادل الباز، رئيس تحرير جريدة الأحداث الإلكترونية، حيث أشار إلى أن “الجيش السوداني لن يترك السلطة المطلقة بيد رئيس الوزراء الجديد، وهذا أمر طبيعي في ظل ظروف الحرب”.

من جانبها، أوضحت أريج الحاج، الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن “مؤسسات الجيش لن تتنازل بسهولة عن امتيازات السلطة لصالح أي مكون مدني”، مشيرة إلى أنه “إذا لم يحدث تحول حقيقي وجذري في موازين القوى السياسية في السودان، فإن أي رئيس وزراء مدني، بغض النظر عن مؤهلاته وشعبيته، سيكون عرضة للإقصاء”.

بين التفاؤل والريبة

يعتبر المتفائلون أن إدريس يمثل بداية جديدة في تاريخ السودان المضطرب، إلا أن التعيينات الأولية في حكومته، التي اقتصرت حتى الآن على وزيري الدفاع والداخلية، تشير إلى أن التركيز الأساسي هو على الملف الأمني بدلاً من المسار السياسي أو الانتقالي. لذا، يبقى السؤال الأهم: هل يمتلك رئيس الوزراء الجديد صلاحيات حقيقية، أم أنه مجرد واجهة “مدنية” لسلطة عسكرية تسعى للخروج من العزلة الدولية؟

تقول الحاج إن “كامل إدريس ليس لديه قاعدة سياسية، ويمكن القول إنه يتمتع بنزاهة سياسية، ورغم ذلك، فقد رحب به الإسلاميون في السودان، حيث أن من يدعم إدريس هو من يدعم الجيش السوداني”.

يشير الباز، من جانبه، إلى أن “الجيش هو من عيّن كامل إدريس، ويمكنه عزله في أي وقت”، على عكس عبد الله حمدوك الذي تم تعيينه بعد ثورة شعبية بدعم من قوى سياسية معينة. ويؤكد عادل أن إدريس يُعتبر موظفًا حكوميًا، وعندما يشعر الجيش بأن هذا الموظف لا يؤدي مهامه أو يختلف معه، يمكنه ببساطة إقالته.

حكم مدفوع بالعقوبات

لا يمكن النظر إلى تعيين إدريس بمعزل عن الضغوط الدولية المتزايدة. فقد أدت العقوبات الأميركية الأخيرة المفروضة على قادة عسكريين سودانيين إلى دفع المؤسسة العسكرية نحو محاولة “تحسين” صورتها السياسية من خلال إدخال شخصية مدنية تحظى بقبول دولي.

وأوضحت الحاج أن “إدريس في خطابه أعلن عن نيته إنهاء الفقر، وأن يكون خادماً للشعب وليس حاكماً عليه، وأن يسعى للتوفيق بين القوى السياسية، مما يعتبر رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي”. لكنها أضافت أن هذا النوع من الخطابات لا يعدو كونه مجرد وعود غير واقعية “وردية”، حيث كانت 80% من ميزانية الدولة تُخصص للجيش في أوقات السلم، فكيف سيكون الحال الآن في ظل انهيار مؤسسات الدولة مع بقاء السلطة الفعلية خارج نطاق أي مكون مدني؟

ورغم كل ذلك، فإن إدريس غير منتمٍ لأي فصيل حزبي، ولا محسوب على الإسلاميين أو “الكيزان”، كما أنه لا يملك ارتباطات مع المؤسسة العسكرية، ربما يمنحه هذا، مساحة للتواصل مع المجتمع الدولي، ومع الأطراف المدنية الباحثة عن مخرج سياسي.

لكن غياب الخبرة السياسية المحلية، وعدم امتلاكه قاعدة شعبية واضحة، يثيران تساؤلات حول قدرته على التعامل مع واقع سياسي معقد، ومجتمع ممزق، وسلطة عسكرية تتحكم في مفاصل الدولة.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/05/cropped-lcon-1-e1748543136485.png?fit=120%2C76&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading