أعادت الأحداث الأمنية في سوريا، منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، تسليط الضوء على تنوع الهويات الدينية والثقافية داخل المجتمع السوري.
وتتصدر الطائفة الدروز منذ أيام عناوين الأخبار مع تصاعد وتيرة الاشتباكات المسلحة في مدينة السويداء الجنوبية ذات الغالبية الدرزية بين مسلحين دروز من جهة، ومسلحي عشائر سنية وقوات حكومية من الجهة الأخرى.
أكثر من 350 شخصا قتلوا في الاشتباكات، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
من هم الدروز؟
الدروز، أو “الموحدون الدروز” كما يفضلون أن يُطلق عليهم، جماعة دينية نشأت في القرن الحادي عشر الميلادي (الخامس الهجري).
انبثقت من المذهب الشيعي الإسماعيلي الفاطمي في مصر.
بدأت الدعوة الدرزية في القاهرة على يد محمد بن إسماعيل الدرزي بين عامي 1017 و1020 ميلادي في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله.
يعتبر الدروز الخليفة الحاكم بأمر الله، الذي اختفى فجأة عام 1021 ميلادي، بأنه “تجلٍّ إلهي” ويعتقد بعضهم أنه سيعود في المستقبل.
بعد اختفاء الحاكم بأمر الله، قمع الخليفة الفاطمي، الظاهر لإعزاز دين الله، أتباع الطائفة الدرزية بوحشية، ما أدى إلى تقلص عددهم بشكل كبير في القاهرة، وتزايد انتشارهم في بلاد الشام.
تقول المصادر التاريخية إن الدروز اضطروا، جرّاء حملات القمع تلك، إلى الانسحاب والاختباء في مناطق جبلية وعرة، حيث تمكنوا من الحفاظ على خصوصيتهم وعقيدتهم على مدى قرون طويلة.
العقيدة
تحدد المصادر الأكاديمية الغربية، ومنها جامعات مرموقة مثل أكسفورد وهارفارد، مجموعة أساسية من سبعة مبادئ أخلاقية وروحية تستند إليها العقيدة الدرزية.
تُعرف هذه المبادئ غالبا باسم “الوصايا” أو “الأركان”، وتشكل الركيزة الأساسية لسلوك المنتمين للطائفة الدرزية، وهي:
صدق اللسان، وحفظ الإخوان، وترك عبادة البهتان، والتبرؤ من الأبالسة والطغيان، والتوحيد، والرضا بتدبير الله، والطاعة الشاملة للحاكم بأمر الله.
تُعدّ السرية حجر الزاوية في العقيدة الدرزية، إذ تُحفظ النصوص المقدسة بعيدا عن متناول غير الدروز، وحتى عن معظم أتباع الطائفة أنفسهم.
الزعماء الروحيين، المعروفون بـ”العقّال” هم المخولون الاطلاع على أسرار العقيدة.
يُعتقد أن الدعوة الدرزية أُغلقت بعد فترة قصيرة من نشأتها في القرن الحادي عشر، ما يعني أنه لا يمكن لأي شخص من خارج الطائفة أن ينضم إليها.
لا يبشر الدروز ولا يدعون لنشر عقيدتهم.
تتميز العقيدة الدرزية بتقدير خاص لعدد من الأنبياء والشخصيات التاريخية، مع تفسيرات فريدة لدورهم ومكانتهم، تختلف عن التفسيرات السائدة في الديانات الإبراهيمية الأخرى.
يشغل النبي شعيب مكانة مركزية ومقدسة في العقيدة الدرزية. وله منزلة خاصة في تسلسل الرسالات التوحيدية لديهم، إذ يُعدونه المؤسس الروحي والنبي الرئيسي في مذهب التوحيد.
تعتبر قرية حطين في الجليل الأسفل بالقرب من بحيرة طبريا في إسرائيل أقدس بقعة للدروز في العالم حيث يعتقد أن النبي شعيب دفن فيها.
مناطق الانتشار
يُقدر العدد الإجمالي للدروز في العالم من مليون إلى مليون ونصف مليون نسمة. يتركزون بشكل أساسي في أربع دول رئيسية في المشرق العربي:
– تعد سوريا موطن أكبر تجمع درزي في العالم. يبلغ عدد الدروز السوريين من 500 ألف إلى 700 ألف نسمة.
يتركز الدروز في سوريا حاليا بشكل شبه كامل في محافظة السويداء (جبل العرب)، التي تُعدّ معقلهم التاريخي، ويشكلون فيها غالبية ساحقة.
وهناك تجمعات درزية أصغر في مناطق أخرى مثل ريف دمشق (خاصة في جرمانا وصحنايا) وجبل السماق في ريف إدلب، وجبل الشيخ في القنيطرة.
– يقدر عدد الدروز في لبنان بحوالي 250 ألف أو 300 ألف نسمة، ويتركزون في مناطق جبل لبنان (الشوف وعاليه)، وحاصبيا وراشيا في جنوب لبنان. يؤدي الدروز دوراً سياسياً هاماً في الحياة اللبنانية في إطار الطوائف المعترف بها.
– هناك نحو 150 ألف نسمة من الطائفة الدرزية في إسرائيل. ينتشرون في منطقة الجليل والكرمل ومرتفعات الجولان.
– يعيش نحو 30 ألف درزي في الأردن، يتركزن في مناطق مثل الأزرق والرويشد.
وهناك جاليات درزية مهاجرة في دول أميركا الشمالية والجنوبية (خاصة الولايات المتحدة وكندا وفنزويلا)، وأستراليا، وأوروبا.
القيادة الروحية
تتميز الطائفة الدرزية بوجود طبقتين من القادة: القيادة الدينية العليا ممثلة بـ”مشايخ العقل”، والقيادة السياسية التي يقتصر دورها على الأمور السياسية.
في سوريا، يشار إلى القيادة الروحية غالبا بـ “مشايخ العقل الثلاثة”. مواقفهم متباينة سياسيا كما كشفت الأحداث الأخيرة في السويداء.
– الشيخ حمود الحناوي (أبو وائل حمود الحناوي): شخصية دينية مؤثرة تؤكد على الوحدة الوطنية والاعتدال. شارك في مفاوضات وقف إطلاق النار الأخيرة في السويداء.
– الشيخ يوسف جربوع: يُعرف بموقفه الأكثر اعتدالاً وميله إلى الحوار. لم يتخذ موقفاً صلباً ضد النظام السوري السابق، ولم يتخذ موقفاً معادياً للدولة السورية الجديدة.
كان من الأطراف الدينية الفاعلة في محاولة تقريب وجهات النظر من خلال التعامل مع الحكومة الجديدة والتواصل مع قياداتها العسكرية والسياسية.
شارك في التوصل إلى اتفاق لوقف العمليات العسكرية في السويداء مع دمشق، وأبدى تأييده لمستقبل مشترك لكل مكونات المجتمع السوري.
– الشيخ حكمت الهجري: يتمتع بمكانة مهمة، خاصة في أرياف السويداء، وقد اتخذ مواقف أكثر استقلالية أو تحديا في بعض الفترات. يقود فصيلا مستقلا في منطقة القريا/جرمانا، وقد رفض الهدنة في السويداء ودعا إلى المقاومة ضد الحكومة السورية الجديدة .
القيادة السياسية
على عكس لبنان، ليس هناك قيادات سياسية درزية بارزة في سوريا.
هناك وجهاء عشائر إلى جانب شخصيات مدنية ناشطة برزت خلال الأيام القليلة الماضية بالتفاعل مع الاشتباكات المسلحة في السويداء.
في لبنان، يعتبر الشيخ الدكتور سامي أبي المنى “شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز” المرجعية الدينية للطائفة في لبنان.
على الصعيد السياسي يتميز المشهد الدرزي في لبنان بتمركز القيادة في سلالات عائلية تاريخية تلعب دورا محوريا في تمثيل الطائفة وضمان حقوقها في النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية.
تُعتبر عائلة جنبلاط السلالة السياسية الدرزية الأبرز والأكثر نفوذا وتأثيرا على مدار عقود. قادت هذه العائلة الطائفة الدرزية وأدت دورا حاسما في تشكيل المشهد السياسي اللبناني.
أبرز القادة السياسيين الدروز في لبنان هو كمال جنبلاط الذي أسس الحزب التقدمي الاشتراكي وولده وليد جنبلاط الذي تولى رئاسة الحزب بعد اغتيال والده في عام 1977.
ورغم أن وليد جنبلاط سلم قيادة الحزب لابنه تيمور في 2023، لا يزال الأب شخصية ذات نفوذ كبير ومرجعية سياسية في لبنان.
تعتبر عائلة أرسلان المنافس التاريخي لعائلة جنبلاط على زعامة الدروز في لبنان. يرأس طلال أرسلان الحزب الديمقراطي اللبناني، وغالبا ما كانت مواقفه السياسية متعارضة مع خط جنبلاط. وأرسلان علاقات تاريخية قوية مع سوريا وحزب الله، على عكس عائلة جنبلاط، في فترات معينة.
إسرائيل:
الشيخ موفق طريف هو الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، إضافة إلى دوره في تمثيل الدروز سياسيا.
سياسيا، تمثل أحزاب مختلفة الدروز في الكنيست الإسرائيلي. وهناك شخصيات درزية بارزة في الجيش والشرطة الإسرائيلية.

الحرة
اكتشاف المزيد من الحرة
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.