ما بعد الصواريخ الإيرانية.. أمن الخليج و”المسارات المتوازية”

في اليوم العاشر، دوت صافرات الإنذار في الدوحة.

صواريخ إيرانية باليستية ومسيّرات عبرت الأجواء. سقط بعضها قرب قاعدة العديد الأميركية، الأكبر في الشرق الأوسط.

حدث ذلك في 23 يونيو 2025. قبل شهر من الآن.

لم يكن يوما آخر من أيام حرب الـ 12. كان إنذارا مدويا.

وجدت دول الخليج نفسها، رغم أنها ليست طرفا مباشرا، في قلب عاصفة جيوسياسية معقدة، وأمام سؤال معلق: ماذا نفعل مع إيران؟

هي “لحظة فاصلة في التفكير الأمني الخليجي”، يقول الدكتور عبدالله باعبود، الباحث في شؤون الخليج والشرق الأوسط.

“الجغرافيا لا يمكن التهرب منها”، يؤكد. والمواجهة الأخيرة كانت اختبارا دفع دول الخليج لإعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية وتحالفاتها التقليدية.

حسابات الأمن الخليجي تتجه نحو خيارات “أكثر واقعية وذات طابع براغماتي”، يقول باعبود، فلم يعد الرهان الكامل على “المظلة الغربية” كافيا.

لم يكن هجوم الدوحة الاختبار الأول لـ”المظلة الغربية”.

“المظلة” لم تحم منشأتي أرامكو في بقيق وخريص، يوم هوجمت في سبتمبر 2019، ما عطل 5.7 مليون برميل يومياً من إنتاج النفط السعودي، أي 50% من إجمالي الإنتاج حينها.

يقول باعبود “الاعتماد على الحماية الغربية لم يعد كافياً، بل ربما بات عبئاً أمنياً في ظل هشاشة الأداء الدفاعي أمام الهجمات”.

وهنا يبرز خيار فتح قنوات تفاهم مدروسة مع طهران.

يؤكد باعبود أن “الحوار المباشر مع إيران أصبح ضرورة استراتيجية”. هذا الحوار لا يعني إنهاء الخلافات. بل هو “ضبطها وتحييدها قدر الإمكان عبر قواعد اشتباك واضحة”.

السعودية والإمارات “بدأتا بالفعل بفتح قنوات التواصل مع طهران”. لكن التفاهم لا يعني “التطبيع الكامل”.

الدول الخليجية، كما يرى الباحث محمد خلفان الصوافي، تدرك أن “إيران ما زالت بعيدة عن تعزيز الثقة سواء في اللغة أو التخلص مما يقلق الدول الخليجية وهو البرنامج النووي والصواريخ الباليستية”.

والآن تظهر تباينات داخل البيت الخليجي بشأن التعامل مع إيران.

بعض الدول ترى في الحوار فرصة، بينما تظل أخرى متوجسة. والمؤشرات الدبلوماسية لم تفلح بعد في تبديد القلق الخليجي تجاه السياسات الإيرانية.

يقول الصوافي “مواقف الدول الخليجية كانت صريحة واضحة” بل “تحركت دبلوماسيا” من أجل وقف الحرب، لكن “لم يكن الموقف الإيراني بمستوى تلك الوقفة”.

وهي وقفة خليجية لصالح إيران “تجاوزت حتى مواقف حلفاء إيران التقليدين مثل روسيا والصين”، يقول الصوافي، لكن الرد الإيراني كان الهجوم على قطر “واستمرار لغة التهديد الإيرانية وإن كانت بشكل أخف”.

ويبدو أن دول الخليج لا ترغب في الاعتماد على مسار وحيد، بل تتحرك على مسارات متوازية: حوار مع إيران، حفاظ على التحالفات الدولية، وتعزيز لمنظومات الدفاع الذاتية.

فالتحالفات الدولية تظل مهمة في مواجهة تحديات إقليمية مثل تهديدات الحوثيين للممرات الدولية، يقول الصوافي.

لكنه يحذر من “وهم الاستقرار المؤقت”، ويؤكد أن “الخطر الأكبر على الأمن الخليجي ليس إيران فقط، بل غياب الرؤية الاستراتيجية الموحدة”.

وتؤطر اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك التي وقعت في 2000 في البحرين منظومة الدفاع الخليجي. وتؤكد أن “الأمن الخليجي لا يمكن تجزئته”.

لكن الصوافي يدعو إلى ما هو أكثر من التنسيق العسكري. يطالب بمنظومة خليجية موحدة للأمن تشمل الأمن السيبراني وحماية البنى التحتية والاستعداد للأزمات.

المؤكد هو أن دول الخليج استثمرت مليارات الدولارات مؤخرا في أنظمة الدفاع الصاروخي والجوي.

ففي مايو 2025، وافقت الولايات المتحدة على بيع المملكة العربية السعودية حزمة أسلحة ضخمة بقيمة 142 مليار دولار، تُعد الأكبر في تاريخ التعاون العسكري بين البلدين، وتركز على الدفاع الجوي والصاروخي والأمن البحري والاتصالات.

هذا الاتفاق توج صفقات سابقة كالموافقة على بيع 300 صاروخ باتريوت للسعودية بقيمة 3.05 مليار دولار و96 صاروخ ثاد للإمارات بقيمة 2.25 مليار دولار في أغسطس 2022، ما يعكس التزاما أميركيا استراتيجيا بتحديث الترسانات الدفاعية في الخليج.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/05/cropped-lcon-1-e1748543136485.png?fit=120%2C76&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading