الرهان النووي… تحولات استراتيجية في أمن الطاقة الخليجي

دخلت البحرين رسميا عالم الطاقة النووية السلمية.

الاتفاقية التي وقّعتها المنامة مع واشنطن في 15 يوليو تمثّل، وفق خبراء تحدثوا لـ”الحرة”، تحولا استراتيجيا في مشهد الطاقة الخليجي.

تضع الاتفاقية المملكة على خارطة الدول الخليجية التي تتبنى بدائل استراتيجية للطاقة التقليدية، وفي إطار سباق إقليمي لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، واللحاق بركب التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.

وكانت الإمارات قد شكّلت نموذجا متقدما من خلال محطة “براكة”، أول منشأة نووية تشغيلية في المنطقة.

وتمضي السعودية قدما في تنفيذ برنامج نووي مدني يهدف إلى دعم أمن الطاقة الوطني، وتوطين التكنولوجيا.

يشير الخبير العماني، علي الريامي، إلى أن “دولا مثل الإمارات والسعودية تقود هذا التوجه عبر ضخ استثمارات ضخمة في بناء المفاعلات النووية وتطوير كوادر فنية متخصصة”.

ويعكس التحاق البحرين بنادي النووي الخليجي إدراكا لأهمية تنويع مصادر الطاقة، واستيعاب التحولات الجيوسياسية والاقتصادية والبيئية.

اتفاق المنامة مع الولايات المتحدة يمهد الطريق لتطوير بنية تحتية نووية، تشمل نقل التكنولوجيا، وتدريب الكفاءات الوطنية، وتطوير الأطر التشريعية والتنظيمية وفق معايير السلامة الدولية.

لكن الأمر لا يقتصر على البعد التقني.

يحمل الاتفاق أبعادا استراتيجية تتوافق مع الأمن الطاقي الخليجي عموما.

تؤكد الدول الخليجية أنها تسعى لبناء قدرة إنتاج طاقة نظيفة وآمنة تدعم النمو الاقتصادي طويل الأمد، وتقلل من ضغوطات التغير المناخي.

والرسالة واضحة: مستقبل الطاقة في الخليج لن يُبنى فقط على النفط والغاز، بل على مزيج من المصادر التقليدية والمتجددة والنووية، يعزز مناعة الاقتصاد، ويكرّس الاستقرار.

استثمارات وتحديات

تُقدّر استثمارات دول الخليج في الطاقة النووية السلمية بعشرات المليارات من الدولارات، ضمن توجه استراتيجي لتعزيز أمن الإمدادات على المدى الطويل.

تصدرت الإمارات هذا المسار بمشروع “براكة” الذي كلف 24.4 مليار دولار، ويضم أربعة مفاعلات بقدرة إجمالية 5600 ميغاواط.

وتخطط السعودية لاستثمار أكثر من 80 مليار دولار في بناء مفاعلين نوويين بقدرة 2400 ميغاواط، ضمن “رؤية الطاقة الوطنية 2030”.

لا تقتصر تلك المشارعي، وفق الخبير علي الريامي، على توليد الطاقة، بل تمتد إلى “بناء قاعدة بحثية وتطويرية تهدف إلى إدراج دول الخليج ضمن خارطة الابتكار النووي عالميا”.

والغاية، على المدى البعيد “تعزيز أمن الطاقة الإقليمي، وخفض التكاليف التشغيلية، وترسيخ موقع الخليج كمصدر رئيسي لحلول الطاقة المتقدمة”.

التحديات ليست تقنية فقط

تتطلب الصناعة النووية تأهيلا علميا عالي المستوى، وبرامج تدريب طويلة الأمد، ومعرفة دقيقة.

وهنا يشير الخبير السعودي علي الحازمي إلى أن “بناء كفاءات بشرية متخصصة في المجال النووي يتطلب سنوات من التدريب المتقدم داخل وخارج المنطقة”، ما يعني أن الخليج قد “يضطر للاعتماد على الخبرات الأجنبية في المراحل الأولى”.

لكنه يرى مؤشرات واعدة.

“أدرجت بعض الدول الخليجية تخصصات الطاقة المتجددة والنووية ضمن برامج الابتعاث الخارجي”، و”بدأت الجامعات المحلية بتوفير تخصصات أكاديمية في هذا المجال”.

طاقة نووية مقابل طاقة متجددة

مع تزايد الاستثمارات الخليجية في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، يطرح سؤال: هل تؤثر الطاقة النووية على مستقبل “التحول الأخضر”؟

يرى الحازمي أن “التحول نحو الطاقة النووية لا يعني بالضرورة تراجعا في الاهتمام بالطاقة المتجددة، بل يعكس مقاربة تكاملية”.

ويضيف: “الطاقة النووية تُعد مكملة لمصادر الطاقة المتجددة، فهي تضمن استقرار الإمدادات وتعوّض الفجوات التي تنتج عن الطبيعة المتقطعة للطاقة الشمسية والرياح. كما أنها مصدر منخفض الانبعاثات الكربونية، وبالتالي تساهم في تحقيق الأهداف البيئية دون المساس بأمن الطاقة”.

أما الريامي، فيذهب إلى أن المستقبل الطاقي للخليج يرتبط بـ”قدرة هذه الدول على إدارة مرحلة انتقالية معقّدة”، تجمع بين الحاضر النفطي والمستقبل المستدام.

ويؤكد أن الطاقة المتجددة “تحمل فرصا واعدة على المدى الطويل”، لكنها “لا تمثل حلا فوريا”.

من ناحية أخرى، يشير الريامي إلى أن الطاقة المتجددة، رغم فوائدها البيئية، لا تزال بعيدة عن تعويض دور النفط في موازنات الخليج. لكنها تمثل دعامة مستقبلية مهمة لتنويع الدخل، خاصة إذا اقترنت بتقنيات ناشئة مثل الهيدروجين الأخضر. غير أن هذا التحول سيكون تدريجياً ويعتمد على تطور السوق العالمية وتكاليف الإنتاج.

الصناديق السيادية

دور الصناديق السيادية الخليجية يتبدل.

لم تعد هذه الكيانات مجرد أدوات للاستثمار في الأصول التقليدية،” يقول الريامي، بل “محركات رئيسية لدفع عجلة التحول الطاقي”.

ونشهد اليوم استثمارات مباشرة في مشاريع ضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب مبادرات لإنتاج الهيدروجين الأخضر.

ويمتد الدعم إلى البحث العلمي، وتطوير تقنيات تخزين الطاقة، وبناء الشبكات الذكية”.

يقول الريامي إن هذا التحول في النظرة الاستثمارية يعكس تغيّرا في “عقلية الاستثمار السيادي في دول الخليج”، حيث “باتت الأرباح الاقتصادية تُقترن بالأهداف الاستراتيجية طويلة الأمد مثل تأمين الطاقة، وخفض الانبعاثات، وتعزيز مرونة الاقتصاد أمام التقلبات العالمية.

سكينة المشيخص

كاتبة و باحثة و مقدمة برامج سعودية


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/08/footer_logo.png?fit=203%2C53&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading