من يخشى “التغيير المحتمل” في ليبيا؟

ليست المرة الأولى التي تُعلّق فيها صناديق الاقتراع في ليبيا.

لكن ما جرى منتصف يوليو 2025 قد يكون غير مسبوق.

بلديات أُخرجت من المعادلة الديمقراطية بصمت إداري، وتواطؤ سياسي، وصناديق أُقفلت قبل أن تُفتح.

أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تعليق العملية الانتخابية في 11 بلدية في الشرق والغرب والجنوب؛ من دون توضيح للأسباب.

في المقابل، دعت بعثة الأمم المتحدة السلطات الليبية إلى “معالجة الأسباب الكامنة وراء تعليق الانتخابات البلدية في الدوائر الـ11 على وجه السرعة، وتهيئة الظروف المناسبة لاستئناف العملية الانتخابية”، في لقاء جمع نائبة المبعوثة الأممية ستيفاني خوري برئيس المفوضية عماد السايح.

كان من المفترض أن تُجرى الانتخابات في أغسطس ضمن المرحلة الثانية من الاستحقاق البلدي، وتشمل 63 بلدية، بينها 13 في الشرق و9 في الجنوب و41 في الغرب.

لكن العملية انفرطت جزئياً، وباتت 150 ألف بطاقة انتخابية من دون مصير واضح.

“ما جرى ليس نتيجة خلل إداري، بل قرار سياسي”، يقول المحلل الليبي رمضان معيتيق.

“عشر من هذه البلديات تقع شرق ليبيا، وبالتالي تحت إدارة خليفة حفتر. تم الاستيلاء على بطاقات الناخبين هناك، ما حال دون إجراء الانتخابات في وقتها”.

وبحسب معيتيق، فإن ما لا يقل عن 150 ألف ناخب “حُرموا من حقهم في التصويت”، كما حُرم “عدد من المرشحين المستقلين من خوض الانتخابات”.

ويؤكد أن “المفوضية نفسها وصفت ما جرى بأنه جريمة انتخابية”.

وذهبت الأموال المخصصة للعملية الانتخابية في هذه الدوائر “نهبا”، بحسب وصفه.

السلطات المحلية في المناطق الشرقية التزمت الصمت.

لا تعليق.

لا نفي.

ولا توضيح رسمي حول ما ذكرته المفوضية من “أوامر شفوية لوقف إصدار البطاقات”، أو “تعليمات موجهة لرجال الأمن بإغلاق مراكز التوزيع”.

في غرب البلاد، كان التأجيل محصورا في بلدية واحدة هي “جنزور”.

أُقفلت مراكز توزيع البطاقات، بقرار من رئيس المجلس التسييري ومرشح البلدية فتحي عيسى، وبتواطؤ من مراقب التربية والتعليم في البلدية في جنزور، بحسب بيان المفوضية.

حفتر.. والتغيير المحتمل

ما وراء التعليق أبعد من أزمة انتخابية.

يعتقد معيتيق أن تعليق الانتخابات يعود إلى “تخوّف حفتر من احتمال حدوث تغيير في البلديات شرقي ليبيا، خصوصا في مدن استراتيجية مثل بنغازي وسرت وسبها.

“قد تكون هذه الانتخابات الشرارة لتغيير حكومي. وأي عملية ستُنتج سلطات جديدة لن يكون لحفتر مكان فيها، وبالتالي سيقف لمنعها”.

ويستبعد معيتيق أن تكون العرقلة بسبب احتمال فوز مرشحين موالين للنظام السابق، كما يروّج البعض.

“حفتر نفسه من أكثر المقربين للنظام السابق”، لكن “ما يفعله هو مصادرة حق الجميع لأنه لا يريد تغيير الوضع القائم”.

ويتابع: “حتى لو فاز المقربون من نظام القذافي، فالانتخابات هي انتخابات خدمات بلدية في نطاق محلي ضيق، وليست انتخابات سياسية مركزية”.

دعم ومعرقلات

في موازاة التعليق، تحركت الأمم المتحدة لتدارك المشهد.

هانا تيته، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، شددت، من أديس أبابا، على “أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمنع استئناف الصراع في ليبيا، والمضي قدما بالعملية السياسية المؤدية إلى الانتخابات”.

وخلال زيارتها الرسمية، التقت تيته بدبلوماسيين أفارقة وبـبانكول أديوي، مفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن، حيث ناقشوا تأثير المشهد الليبي على منطقة الساحل، والجهود الجارية لدعم المصالحة عبر اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد بشأن ليبيا.

ورغم الإشارات إلى تدخلات إقليمية أو نوايا خفية، يستبعد معيتيق أن تكون أطراف خارجية هي من يقف وراء عرقلة الانتخابات.

“لا توجد أطراف إقليمية أو دولية تعرقل الانتخابات، بل على العكس، تضافرت الجهود لدعمها. اجتمع عدد من السفراء مع رئيس المفوضية لتقديم الدعم اللوجستي، وهناك ضغوط دولية حقيقية لإتمام العملية”.

لكنه يرى أن ما يجري “يهدد مصالح حفتر الشخصية والضيقة جدا” وهو ما دفعه، بحسب تقديره، لوقف الانتخابات في مناطق نفوذه.

البلديات المعلقة… والحق المصادَر

قانونياً، يؤكد خبراء أن الانتخابات في البلديات الـ11 “قُتلت فعلياً”، بسبب الاستيلاء على البطاقات، ما يجعل من المستحيل إجراؤها في موعدها.

لكن المفوضية تمضي في المسار المتبقي، حيث يُفترض أن تُستكمل العملية الانتخابية منتصف أغسطس في البلديات الأخرى، “بحسب الدوائر وليس على أساس ليبيا دائرة واحدة”، كما تنص الإجراءات.

“الخاسر الأكبر هو 150 ألف ناخب حُرموا من حقهم،” يختم معيتيق، “لكن بالتأكيد ليس فوزا لأحد”.