فلسطيني وإسرائيلي: خسرنا أحباءنا فاخترنا السلام بدل الانتقام

الحرة's avatar الحرة2025-07-29

في شوارع الناصرة القديمة، يقود رجلان، فسلطيني وإسرائيلي، مجموعة من السياح الأجانب عبر أزقة المدينة العتيقة.

يحمل كل منهما جرحا عميقا. لكن هذه الجراح لم تتحول إلى مصدر كراهية، بل أصبحت بوابة نحو مستقبل مختلف.

ماعوز إينون، الإسرائيلي اليهودي، فقد والديه في هجوم السابع من أكتوبر. وعزيز أبو سارة، الفلسطيني من القدس، خسر هو الآخر شقيقه في الصراع الممتد منذ عقود.

رغم ألم الخسارة، اختار الرجلان أن يتجاوزا إرث العداء، وأن يكونا نموذجا مختلفا يؤمن أن السلام هو الخيار الوحيد الممكن.

“يكفي!”

يقول ماعوز: “لقد دفعنا ثمناً باهظاً، بالدم. فلسطينيين وإسرائيليين، دفعنا ما يكفي. حان الوقت للوصول إلى هذه الوجهة المحددة، وهي السلام، لأن المستقبل هو السلام”.

يتحدث ماعوز عن “جدران الخوف والجهل والانتقام” التي تم تشييدها بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر سنوات طويلة، ويؤمن أن الوقت قد حان لهدمها.

أما عزيز، فيرى أن الاعتقاد بأن القصف والقتل سيجلبان الأمن والسلام مجرد “وهم”.

“العكس هو الصحيح تماما.. عندما لا يكون هناك سلام، عندما لا تكون هناك مصالحة، يفقد الناس حياتهم. لا يجب أن ننتظر حتى نفقد أحباءنا لنستيقظ”.

جولات سياحية بروايتين

يقدم عزيز وماعوز مبادرة فريدة من نوعها.

في شوارع الناصرة، يقودان زوارا من مختلف أنحاء العالم في جولات سياحية، يرويان خلالها قصتهما الشخصية وقصة شعبيهما.

أسس عزيز، المولود في الضفة الغربية، عام 1980، شركة “مجدي تورز”، وهي شركة سياحية تقدم جولات “بروايتين”؛ إسرائيلية وفلسطينية، بهدف تعزيز الفهم المتبادل.

بدأت “مجدي تورز” بتنظيم جولات في إسرائيل وفلسطين، ثم توسعت لتشمل أكثر من 20 دولة حول العالم، من بينها الولايات المتحدة، مع المحافظة على مفهوم “الرواية المزدوجة” من خلال توفير مرشدين من خلفيات متعارضة لعرض القصة من كلا الجانبين.

أما ماعوز فأسس عدة مبادرات من بينها، بيت “فوزي آزر” في مدينة الناصرة، وهو نزل تاريخي تم تحويله إلى بيت ضيافة داخل بيت عربي قديم، كما أسس “مسار يسوع”، وهو طريق للحجاج بطول 65 كم يربط بين مدينة الناصرة وكفر ناحوم، ويمر عبر قرى فلسطينية وإسرائيلية.

ومؤخرا، تعاون الصديقان لتأسيس منظمة جديدة تُدعى “Interact”، وتركّز على مبادرات سلام تعليمية في المناطق المتنازع عليها، بهدف بناء جسور من الحوار والتفاهم بين الأطراف المتخاصمة.

يقول ماعوز: “نحن نبني جسوراً ونسير عليها. ندخل تلك البوابات معاً، بعد أن نتحاور ونتوصل إلى أرضية مشتركة. نحن نتشارك نفس القيم.. نحن نعترف بألم بعضنا البعض، بمعاناة بعضنا البعض، ولكن أيضاً بأحلامنا وتطلعاتنا”.

هذه الجولات ليست مجرد نشاط سياحي، كما يقولان، إنها صورة حية عن إمكانية التعايش.

“أصبحنا عائلة”

مع مرور السنوات، تعمقت العلاقة بين عزيز وماعوز وتجاوزت حدود الصداقة، لتصبح علاقة عائلية.

يقول عزيز: “أحب عائلته. لقد أصبحوا عائلتي. أعرف ابنته وأطفاله وزوجته وأخواته وأعمامه”.

بالنسبة لعزيز، ظهوره إلى جانب ماعوز ليس مجرد ممارسة رمزية، بل تحدٍ مباشر للخطابات المتطرفة التي تغذي الصراع.

“لا شيء يجعل الأشخاص المؤيدين للقصف والقتل والعنف يشعرون بالتهديد مثل صورتنا معًا، لأننا نقدم البديل. نحن الترياق لكل أشكال التطرف لأننا نظهر ما هو ممكن”.

في جولاتهما داخل إسرائيل وفلسطين وخارجها، يلتقي عزيز وماعوز بأشخاص كثيرين يتشاركون معهم نفس الرؤية.

يقول ماعوز: “نحن لسنا وحدنا، هناك كثيرون مثلنا. نلتقي بشركاء، يهود ومسلمين، فلسطينيين وإسرائيليين، يتعاونون معنا على أساس القيم المشتركة التي نمثلها”.

من الألم المشترك إلى المصير المشترك

يعترف عزيز وماعوز أن الألم الذي عاشاه شكل نقطة تحول مفصلية في حياتهما.

فقدانهما لأحبائهما كشف لهما قسوة الواقع، لكنه في الوقت ذاته منحهما رؤية واضحة للطريق البديل.

بالنسبة لهما، السعي إلى السلام ليس يعد مجرد شعار، إنه مسألة شخصية.

قبل أكثر من 35 عاماً، فقد عزيز شقيقه الأكبر تيسير.

يقول متحدثا أمام جمهور في إحدى محاضراته المشتركة مع ماعوز: “حدث ذلك في رمضان.. كنت في التاسعة من عمري، اقتحم مجموعة من الجنود منزلنا واعتقلوا تيسير بتهمة رمي الحجارة. تم أخذوه إلى السجن، حيث رفض الاعتراف، وتعرض للضرب والتعذيب. وعندما أُفرج عنه، كان في حالة صحية حرجة، يعاني من إصابات داخلية، فتم نقله إلى مستشفى في القدس”.

لم يمض وقت طويل حتى توفي تيسير متأثراً بمضاعفات السجن. يؤمن عزيز أن لا عائلة، سواء كانت فلسطينية أو إسرائيلية، يجب أن تعيش هذا الألم. لذلك اختار أن يواجه مأساته بالعمل من أجل السلام.

على الطرف الآخر، استيقظ ماعوز صباح السابع من أكتوبر 2023 على مأساة غيرت مجرى حياته. في ذلك اليوم، شن مسلحو حركة حماس هجوماً على كيبوتس نير عوز، حيث كان والده ووالدته يعيشان. قُتل والداه في ذلك الهجوم.

يقول ماعوز: “الانتقام لن يؤدي إلا إلى تصعيد دائرة الدماء والكراهية والخوف التي تحاصرنا منذ أكثر من قرن الآن… أريد لعائلتنا أن تكسر هذه الدائرة. أريد لعائلتنا أن تبدأ طريقًا جديدًا”.

ويتابع: “نريد أن نُشفى من جراحنا الشخصية ومن جراح شعبنا. نريد أن نشعر بالأمان والسلامة”.

المساواة كشرط لأي حل

يؤمن عزيز وماعوز بأن الخروج من دائرة الصراع يحتاج إلى حل جذري.. حل قائم على المساواة الكاملة.

“لا يمكن أن نعيش في أمان وسلام إذا لم يكن الطرف الآخر كذلك. لكي أعيش أنا، ماعوز اليهودي الإسرائيلي، في أمان وسلام، يجب أن أتأكد من أن عزيز، الفلسطيني، يعيش أيضًا في أمان وسلام،” يقول ماعوز.

أما عزيز فيوضح أن المساواة لا تبدأ من الآخرين، بل تنطلق من علاقتهما: “إذا لم نكن نحن متساويين في تعاملنا مع بعضنا البعض، فلا يمكننا أن نتحدث عن المساواة مع أي طرف آخر”.

هذا المبدأ يحرصان على تجسيده في كل تفصيل من تفاصيل علاقتهما، من آلية اتخاذ القرارات إلى طريقة الحديث عن مصابهما الشخصي.

يقول عزيز: “عندما نسافر إلى الخارج، كثيراً ما يتحدث الناس عن خسارتي وكأن شقيقي مات موتا عاديا، بينما يتحدثون عن والدي ماعوز بأنهما قتلا. لكننا نصر على أن نتحدث عن بعضنا البعض بنفس الطريقة. ماعوز يتحدث عن شقيقي بنفس الطريقة التي يتحدث بها عن مقتل والديه. هذه هي المساواة”.

ويضيف: “نحن لا نتحدث فقط عن المساواة، بل نمارسها فيما بيننا”. حتى في تفاصيل بسيطة لكنها رمزية، كتصميم بطاقات التعريف، لم يشأ الرجلان أن تكون لهما بطاقتان منفصلتان. “قررنا أن تكون بطاقة واحدة لنا نحن الاثنين”، يؤكد عزيز.

رغم إدراكهما لصعوبة الواقع وتعقيداته، يتمسك عزيز وماعوز بالأمل في التغيير.

يقول عزيز: “المستقبل هو السلام”، ويضيف ماعوز: “المستقبل يبدأ الآن، المستقبل يبدأ هنا”.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/05/cropped-lcon-1-e1748543136485.png?fit=120%2C76&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading