من إيفين إلى المجهول.. هل تعيد إيران سيناريو 1988؟

لا تعلم “توبا”، وهو اسم مستعار لفتاة إيرانية، مصير شقيقها الذي اعتقله الحرس الثوري، في يونيو، من منزله وسط العاصمة الإيرانية طهران، بتهمة تزويده “جهات معادية” بمعلومات خلال الحرب بين إيران وإسرائيل.

“حاولنا كثيرا عبر معارفنا وأصدقائنا معرفة مكان وظروف اعتقاله، لكن لم نحصل على أي معلومات، نشعر بالخوف على مصيره، في ظل استمرار الحديث عن إعدام معتقلين داخل السجون”، تقول توبا لـ”الحرة”.

ويعيش أهالي الآلاف من المعتقلين في السجون الإيرانية حالة من القلق نتيجة للغموض الذي يحيط بمصير أبنائهم بعد حملة إعدامات شنها النظام في إيران منذ توقف حربه مع إسرائيل في 24 يونيو الماضي.

وتشير إحصائيات صادرة عن مركز “عبدالرحمن برومند” لحقوق الإنسان في إيران، ومقره في واشنطن، إلى أن النظام الإيراني أعدم خلال الشهرين الماضيين 184 معتقلا، بواقع 105 معتقلين في يونيو، و79 معتقلا في يوليو.

ويشير المركز إلى أن هذه الإحصاءات مستمدة من استطلاعات أجرتها شبكة من ناشطيه داخل إيران وتشمل حالات الإعدام المعلن بشكل رسمي، مؤكدة صعوبة تحديد العدد الدقيق لعمليات الإعدام، لأن السلطات الإيرانية تمنع التحقيق والرصد المستقلين للحالات التي تُنفذ فيها عقوبة الإعدام.

كانوا في إيفين

وغير الذين اعتقلوا حديثا من المتهمين بالتعاون مع إسرائيل، يحيط الغموض بمصير معتقلين بتهم سياسية، وفي مقدمتهم المتظاهرون والناشطون الذين شاركوا في احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية”.

وكانت مدن إيرانية شهدت احتجاجات لأكثر من عام منذ سبتمبر 2022، عقب مصرع الفتاة الكردية الإيرانية “جينا أميني” أثناء اعتقالها من قبل شرطة الآداب الإيرانية بحجة عدم التزامها بالحجاب الذي يفرضه النظام على الإيرانيات منذ عام 1979.

بعض هؤلاء المعتقلين السياسيين كانوا في سجن “ايفين” الذي تعرضت بوابته لضربة جوية إسرائيلية في 23 يونيو.

بحسب ناشطين ومعارضين إيرانيين تحدثت معهم “الحرة”، نقل النظام الإيراني أعدادا كبيرة من معتقلي السجن إلى مكان مجهول في ظل ظروف أمنية مشددة.

ويقع سجن “ايفين” في طهران وهو أحد أكبر السجون في إيران وأبرز مراكز التعذيب وفق منظمات حقوقية إيرانية ودولية، وسجن فيها الآلاف من الناشطين السياسيين والمعارضين والصحفيين ومن ضمنهم النساء.

ويؤكد الناشط الكردي رفيق حسين بناهي لـ”الحرة” أن النظام الإيراني نقل السجناء السياسيين بسرعة من ايفين إلى سجون “قرجك” و”رجائي شهر”.

ويشير بناهي الذي يعمل على ملف حقوق الانسان في إيران وكشف انتهاكات النظام الإيراني منذ سنوات، أن مصادره داخل إيران من الناشطين والمدافعين الحقوقيين يشيرون في تقاريرهم الى أن المعتقلين السياسيين الذين نقلوا إلى هذه السجون خلال الحرب وبعدها يعانون من “ظروف سيئة للغاية”، وانقطع اتصالهم مع عائلاتهم بالكامل.

هذه الظروف يعرفها يحيى سرخاني جيدا.

سرخاني ناشط مدني ومدافع عن البيئة، أمضى عقوبة السجن لأكثر من 3 سنوات في سجون إيران بتهمة ممارسة أنشطة مدنية وبيئية عام 2012.

“ما زلت أعاني من ظروف صحية ونفسية صعبة إثر التعذيب الذي تعرضت له خلال فترة السجن على يد الاستخبارات الإيرانية”، يردف سرخاني لـ”الحرة”.

ويضيف  “النظام الإيراني يزود السجناء بأسوأ الطعام وبكميات قليلة جدا، ويمنع الدواء عن المرضى، ويضطر السجين إلى شراء الطعام والماء على نفقته الخاصة وبأسعار خيالية، أما حراس السجن فيروجون للمخدرات بشكل علني داخل السجن ويبيعونها للمعتقلين”.

إعدامات بالسر والعلن

تقول إحصائيات حصلت عليها “الحرة” من منظمة “هانا” لحقوق الإنسان، وهي منظمة كردية إيرانية، إن “أكثر من 80 شخصًا، معظمهم من موظفي سجن ايفين ومسؤوليه قتلوا في القصف الاسرائيل الذي استهدف بوابة السجن”.

وتشير “هانا” التي تعتمد على شبكة واسعة من الناشطين داخل إيران، إلى أن السلطات الإيرانية نقلت معظم السجناء إلى سجون أخرى، بما في ذلك سجن طهران الكبير، وفشافويه، وسجن قرجك في ورامين، والى الجناح السادس في إيفين نفسه، ونُقل بعضهم إلى مراكز الأمن التابعة لجهاز الاستخبارات، بينما مازال مصير أكثر من  100 معتقل من الذين نقلوا مجهولا حتى الآن.

ويلفت رئيس المنظمة حميد بهرامي لـ”الحرة”، “تدهورت أوضاع المعتقلين في إيران، وخاصةً السياسيين، بعد حرب الاثني عشر يومًا، وزادت المحاكم الثورية من اصدار أحكام الإعدام ومدد السجن الطويلة في مدن كردستان، وخاصةً في محافظات أرومية وسنه وكرمانشاه وإيلام”.

ووفق بهرامي ينتظر العشرات من المعتقلين المحكوم عليهم بالإعدام بتهم أمنية تنفيذ الاحكام عليهم، محذرا من إمكانية تنفيذ النظام الإيراني لعمليات إعدام جماعية ضد المعتقلين.

ووفقاً للإحصاءات السنوية الصادرة عن مركز الإحصاء والمنشورات والأعمال التابع لجمعية نشطاء حقوق الإنسان في إيران، نشرتها وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان “هرانا”،  أعدمت إيران نحو 930 شخصاً خلال العام الماضي 2024، وهو رقم اعتبرته الجمعية “الأعلى” ضمن اعداد الإعدام المسجلة خلال السنوات الـ 12 الماضية.

وأشارت الجمعية الى أن سلطات السجون والمؤسسات المسؤولة الأخرى لم تعلن رسمياً إلا عن نحو 6% من هذه الإعدامات، معتبرة ذلك انعكاسا لحالة الافتقار إلى الشفافية والسرية الهيكلية وآليات المساءلة التي تشهدها  إيران.

الهوس بالسرية يعرفه اردلان عثمان جيدا.

عثمان شاب كردي من كردستان إيران، يواصل البحث عن والده المعتقل منذ نوفمبر 2022، فالجهات الأمنية الإيرانية والمحاكم نفت لوقت طويل أنها اعتقلته.

وبعد مرور أكثر من عام ونصف على اختفائه أبلغت السلطات الأمنية عائلته، أن استخبارات الحرس الثوري هي التي تعتقله دون الحديث عن تفاصيل اعتقاله والمكان الذي يحتجز فيه.

“حاولتُ الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان عدة مرات لنشر خبر اعتقال والدي من أجل الضغط لإيجاده، لكن السلطات الأمنية الإيرانية استدعتني وحذرتني بشكل رسمي من أن نشر خبر اعتقاله أو الاستمرار في البحث عن مكان اعتقاله سيؤدي إلى اعتقالي من قبل الحرس الثوري، ومواجهة نفس مصير والدي”، يوضح اردلان لـ”الحرة”.

يخشى اردلان من مقتل والده تحت التعذيب، لكنه لا يستطيع تأكيد ذلك فالحصول على معلومات عن المعتقلين صعب جدا داخل إيران، بسبب التعتيم الذي تمارسه السلطات على هذه الملفات.

اضطر اردلان إلى الهرب مع والدته من إيران بعد تزايد ضغوطات الأجهزة الأمنية الإيرانية على العائلة، خشية التعرض للاعتقال والقتل، انتقلت العائلة سرا إلى احدى مدن كردستان العراق قبل نحو عام.

والدي محكوم بالإعدام

ووفق متابعات “الحرة” لملف السجون وانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وتواصلها مع معتقلين إيرانيين سابقين، يعيش المعتقلون في السجون الإيرانية أوضاعا صعبة في ظل أسوء ظروف الاحتجاز.

ولا تخفي الناشطة الكردية الإيرانية جينو “Zhino”  بيكزاده باباميري حالة القلق الدائم الذي تعيشه، فهي لا تعرف أي معلومات عن حالة والدها المحكوم بالإعدام والمعتقل في السجون الإيرانية منذ أبريل 2023.

اعتقل رزكار بيكزاده باباميري، والد جينو، من قبل الحرس الثوري في مدينة بوكان بكردستان إيران، لمساعدته المتظاهرين عبر معالجة المصابين منهم خلال احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية”.

“ما فعله والدي كان عملاً إنسانياً، لكن النظام اعتبره تهديدا”، تقول جينو لـ”الحرة”.

“من المؤلم للغاية ألا تعرف متى؟ أو إن كنت سترى والدك مرة أخرى. لكنني أحاول تحويل هذا الألم إلى قوة. أصبح النضال من أجل حياته مهمتي، ومن خلال ذلك، تواصلتُ مع عائلات ونشطاء آخرين يشاركونني المعاناة نفسها”، تضيف جينو.

واحتجز باباميري مدة 130 يوما بشكل انفرادي عند اعتقاله، وتشير عائلته إلى أنه تعرض لكافة أنواع التعذيب من قبل الاستخبارات في مدينة أرومية، وحرم من التمثيل القانوني ومن حقوقه الأساسية ولم يلتق عائلته منذ اعتقاله، ومن ثم علمت عائلته أن المحكمة أصدرت بحقه 3 عقوبات إعدام، وحكم بالسجن لمدة 30 عاما.

“أصبح وضع السجناء الأكراد، وخاصة المتهمين منهم بالاتصال بإسرائيل، أكثر خطورة”. تقول. “يستخدم النظام السجناء لإرسال رسائل سياسية وتبرير قمعه الداخلي. فيصوَّرهم كجزء من رواية مُلفقة تربط المقاومة المدنية أو الهوية الكردية بمؤامرات أجنبية” تتابع جينو.

فعلها النظام سابقا

وعلى الرغم من توقف الحرب العلنية بين إيران وإسرائيل، الا أن الإعلام الرسمي الإيراني لم يتوقف حتى الآن عن المطالبة بتكرار إعدامات عام 1988، التي شملت الآلاف من المعارضين للنظام آنذاك.

وشنت الأجهزة الأمنية الإيرانية حملة واسعة خلال أيام الحرب الاثني عشر بين إسرائيل وإيران وبعدها بتهم التعاون والتجسس لصالح إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

ونشرت وكالة أنباء “فارس” التابعة للحرس الثوري الإيراني في 5 يوليو 2025، مقالة افتتاحية وصفت فيها إعدامات عام 1988 بـ”التجربة التاريخية الناجحة”، ودعت بشكل علني إلى تكرارها ضد المعتقلين الحاليين.

وفي نهاية يونيو الماضي طالب رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إجئي، إلى محاكمة “سريعة” للمعتقلين الذين يتهمون بالتعاون مع إسرائيل، قائلاً إنه يجب “معاقبتهم بما يتناسب مع ظروف الحرب”.

المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو إحدى أعلى سلطات صنع القرار في إيران، قال هو الآخر إن “أي عمل لصالح إسرائيل سيواجه برد حاسم وأشد العقوبات”، وهي الإعدام بموجب تهمتي “الحرابة” و”الإفساد في الأرض”.


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/05/cropped-lcon-1-e1748543136485.png?fit=120%2C76&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading