سلاح “حزب الله” على طاولة مجلس الوزراء.. لبنان يواجه أخطر كوابيسه

يترقب اللبنانيون باهتمام بالغ مناقشة الحكومة ملف سلاح “حزب الله” لأول مرة بشكل مباشر في جلسة حكومية مرتقبة غدا الثلاثاء.

ستكون المرة الأولى التي تخوض فيها حكومة لبنانية في هذا الملف الساخن، الذي لطالما كان خارج طاولة النقاش الرسمي.

إذا صدر قرار حكومي بنزع سلاح “حزب الله”، فإنه سيصبح، وفقا للخبير الأمني والقانوني البروفيسور أمين صليبا “ملزما للأجهزة الأمنية. وسيكون سابقة في هذا المجال، بعدما كانت الحكومات المتعاقبة السابقة منذ العام 1990 تغطي سلاح الحزب وتعطيه الشرعية في البيان الوزاري. هذا يعني وضع الأجهزة الأمنية، بما فيها الجيش، في مواجهة مباشرة مع “حزب الله”.

وبحسب صليبا، ستكون القوى الأمنية مضطرة لاعتقال أي شخص يحمل سلاحاً ظاهراً أو ينقل أسلحة، ومصادرة هذه الأسلحة. هذا التحول من وضع اللا-تدخّل إلى تطبيق القانون بشكل صارم، ينذر باحتكاكات على الأرض.

في حال صدور القرار، يرى صليبا أن “حزب الله” سيصعّد سياسياً، ومع ذلك، يرجّح صليبا أن الحزب سيتفادى الاحتكاك المباشر مع الجيش على الأرض، وسيطلب من عناصره ذلك.

هذا التقدير يُشير إلى أن “حزب الله” قد يختار المواجهة في الساحة السياسية والإعلامية بدلاً من الصدام العسكري الشامل مع مؤسسات الدولة اللبنانية، إدراكا من لحساسية الوضع وتداعيات مثل هذه المواجهة على السلم الأهلي.

وفي حين يدعم الرئيس اللبناني، جوزاف عون، هذه الجلسة، يبدو في الوقت عينه أن “حزب الله” لا يرغب في انعقادها، وقد انعكس ذلك في تصعيد كلامي بين الرئيس وأمين عام الحزب نعيم قاسم.

هذا المشهد يضع الحكومة اللبنانية على مفترق طرق حاسم بين تعزيز سيادة الدولة ومواجهة أخطار أمنية جمّة، بينما تبرز إمكانية اتخاذ قرار بنزع هذا السلاح، وهو سيناريو يحمل في طياته تحديات قانونية وسياسية وأمنية بالغة.

يقارن بعض اللبنانيين بين جلسة الحكومة هذه وجلسة الخامس من أيار 2008، التي ناقشت شبكة اتصالات “حزب الله”، وكانت تلك الجلسة التي استفزت الحزب ليحتل مدينة بيروت بعناصر مسلحة، ويُدخل البلاد في حرب أهلية مصغرة، فرض على إثرها الحزب أجندته على جميع اللبنانيين، ومنع الحكومة من امتلاك السيادة على قراراتها.

لكن هناك مسائل كثيرة تختلف اليوم عن أيار 2008، أبرزها ضعف “حزب الله” العسكري والأمني بعد ضربات إسرائيلية موجعة لقياداته العليا ولبنيته الصاروخية.

تشير المعطيات إلى تزايد الضغوط الدولية على لبنان لمعالجة قضية سلاح “حزب الله”. وفي هذا السياق، تباينت المواقف بين الأطراف اللبنانية بشكل واضح.

فبينما يدعو الرئيس اللبناني إلى الإسراع في تسليم الأسلحة، يؤكد الأمين العام لحزب الله أن أي طرح لنزع سلاح الحزب يخدم “العدو”. هذا التباين في المواقف، متزامنا مع ضغوط دولية، يضع الحكومة اللبنانية أمام تحدٍّ كبير في محاولة اتخاذ قرار يمسّ شأناً بهذه الحساسية.

جلسة الخامس من آب المرتقبة، تشبه موازين القوى الجديدة الموجودة في لبنان، بحسب الأستاذ الجامعي وعضو “تيار التغيير” في الجنوب (وهو تيار مستقل معارض لـ”حزب الله” و”حركة أمل” الشيعيين) علي مراد. اليوم لم يعد الوقت في صالح لبنان، فلا إمكانية، بحسب مراد، لتعطيل الجلسة، ولا الخروج بنتيجة فارغة، لأن هذا لن يكون في مصلحة أحد في البلد.

“حزب الله لا يزال يعيش حالة من الانكار، وعدم مصارحة جمهوره بالموازين الجديدة التي تحكم علاقته بالدولة اللبنانية،” يقول مراد، مستبعدا، في حديث مع “الحرة”، حدوث مواجهة بين الحزب والحكومة، وبرأيه ليس هناك قرار تنفيذي ملحّ بسحب فوري للسلاح، لأن هذا المسار طويل، لكن يجب أن تضطلع الدولة اللبنانية بدورها، وأن يكون قرار الحرب والسلم وحصرية السلاح بيد الدولة.

أحد أخطر السيناريوهات التي يخشاها صليبا، وتُسلّط الضوء على عمق الانقسام الطائفي في لبنان، هو إمكانية صدور فتوى شيعية تطلب من العناصر والضباط الشيعة في القوى الأمنية الاستقالة والانسحاب، إذا ما ذهبت المواجهة بعيداً. هذا الأمر يعني انشقاقاً داخل الأجهزة الأمنية، ويهدد بشكل مباشر وحدة الجيش اللبناني.

يُعمق صليبا هذا القلق بالإشارة إلى أن اتفاق الطائف كرس فكرة “لا شرعية لأي سلطة تخالف العيش المشترك”، ما يجعل من الصعوبة بمكان اتخاذ قرارات لا تحظى بقبول طائفة وازنة في البلاد، وفي هذه الحالة، الطائفة الشيعية. هذا البعد الطائفي يُلقي بظلاله الثقيلة على أي محاولة لفرض قرار بنزع سلاح الحزب بالقوة.

النقطة الأساسية التي ستحدد مسار الأمو بعد الجلسة، ليس ما سيصدر عنها حول السلاح، لأن ذلك سيعيد التأكيد على البيان الوزاري للحكومة وعلى خطاب القسم الذي التزم به الرئيس اللبناني بحصر السلاح بيد الدولة. لكن سيكون هناك تحد أمام الحكومة في وضع جدول زمني لسحب السلاح، وإذا فعلت ذلك، فهي تلزم نفسها أمام المجتمع الدولي وأمام اللبنانيين بتنفيذ المهمة ضمن المهلة الزمنية.

في المقابل، يرى صليبا أن القرار يمكن أن يصدر على الورق في الحكومة، حتى مع اعتراض الوزراء الشيعة. ويعتقد أن الأمور ستكون في الغالب شكلية، والهدف منها هو الخضوع للضغوطات الخارجية في هذا الملف، أي أن القرار قد يكون بمثابة استجابة دبلوماسية للضغوط الدولية أكثر منه تطبيقاً فورياً وصارماً على الأرض، “فالهدف قد يكون احتواء الضغوط الخارجية دون إشعال فتيل أزمة داخلية شاملة”.

وعلى الرغم من التوقعات بأن تكون الأمور شكلية، يحذر صليبا دائماً من خطر انزلاق الأمور في حال ذهبت إلى التصعيد، ففي الوضع اللبناني الراهن، أي خطوة في هذا الملف بالغة الحساسية وقد تُفضي إلى عواقب وخيمة لا يمكن التنبؤ بها.

مراد بدوره يبدو قلقاً من دخول العهد الجديد، في حال فشله في إثبات جديته أمام المجتمع الدولي، في حالة من “تصريف الأعمال”، مع تسجيل مراد أن مسألة سحب السلاح، هي بالدرجة الأولى مسألة داخلية لبنانية، وفيها مصلحة كبيرة للبنان، بمعزل عن المطالب الدولية.

رامي الأمين

كاتب وصحافي لبناني يعيش في الولايات المتحدة الأميركية. حائز درجة ماجستير في العلاقات الإسلامية والمسيحية من كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف في بيروت. صدر له ديوان شعري بعنوان "أنا شاعر كبير" (دار النهضة العربية - 2007)، وكتيب سياسيّ بعنوان "يا علي لم نعد أهل الجنوب" (خطط لبنانية - 2008)، وكتاب عن مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "معشر الفسابكة" (دار الجديد - 2012) وكتاب بعنوان "الباكيتان- سيرة تمثال" (دار النهضة العربية- ٢٠٢٤)


اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد

https://i0.wp.com/alhurra.com/wp-content/uploads/2025/05/cropped-lcon-1-e1748543136485.png?fit=120%2C76&ssl=1

تابعنا

© MBN 2025

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

اكتشاف المزيد من الحرة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading