البوليساريو والطوارق ومالي الممزقة: 45 عاما من التدخل الجزائري الموثق بالأرشيف

Jillali El Adnani.

الجيلالي العدناني

في 03/08/2025 على الساعة 17:38

مقال رأيتكشف برقية دبلوماسية فرنسية مؤرخة في ماي 1978 كيف كانت البوليساريو، بالتعاون مع ضباط جزائريين، تتسلل إلى شمال مالي وتحث القبائل المالية على الانفصال. وبعد خمسة وأربعين عاما، عادت الأساليب نفسها للظهور في اتفاقيات الجزائر لعام 2015، التي تتهمها باماكو الآن بإضفاء الشرعية على بلقنة البلاد.

في ماي 1978، وجهت السفارة الفرنسية في باماكو برقية سرية إلى وزارة الخارجية في باريس. تحمل الوثيقة، الموقعة من قبل القائم بالأعمال الفرنسي بيير كورني، عنوانا دقيقا ومثيرا للقلق في الآن ذاته: «تسلل البوليساريو إلى مالي» (1). اتسمت نبرة الرسالة بالهدوء، بل وبالدقة، لكن الرهان الدبلوماسي الذي كشفت عنه كان حارقا: تسلل جبهة البوليساريو إلى الأراضي المالية، بدعم مباشر من الجيش الجزائري. بعد ما يقرب من نصف قرن، تعد هذه البرقية مفتاحا لفهم الوضع: فهي تكشف عن الآليات التي ستوجد في اتفاقيات الجزائر لعام 2015 وفي الاتهامات الأخيرة لباماكو الموجهة للجزائر بأنها «راعية للإرهاب». إن فهم هذه الوثيقة يساعد في فهم أزمة الساحل في الوقت الراهن.

منذ فبراير 1978، وفق ما أكده كورني، دأبت الصحافة المالية على نشر تقارير عن أنشطة مشتركة بين جبهة البوليساريو والقوات الجزائرية في شمال مالي. هذه المعلومات، التي وصفها القائم بالأعمال الفرنسي صراحةً بأنها «مؤكدة»، تشير تحديدا إلى مرور سيارات لاند روفر تابعة للبوليساريو مؤخرا في منطقة ليري، الواقعة غرب تمبكتو وجنوب راس الما.

الصحراء المالية، الشاسعة التي يصعب السيطرة عليها، تحولت بسرعة إلى منطقة عبور مفضلة، وربما قاعدة خلفية للجزائر. منذ السنوات الأولى للصراع الصحراوي، سعت الجزائر إلى استغلال هذه الأراضي المعزولة لتعزيز نفوذها الإقليمي. ولهذا الغرض، حشدت بعض القبائل الرحل المستقرة قرب الحدود المالية والنيجرية والموريتانية، وورطتها في العمليات العسكرية واللوجستية دعما لجبهة البوليساريو.

كانت هذه التوغلات المتكررة، التي نفذت في انتهاك للحدود المالية، تندرج في إطار استراتيجية واضحة: توسيع النفوذ الأيديولوجي والعسكري للحركة الانفصالية، مع ترسيخ نفوذ الجزائر في منطقة الصحراء الشاسعة.

استغلال شمال مالي والتوطين

استغلت الجزائر منطق التحالفات القبلية بمهارة لتجاوز الحدود الوطنية وإقامة علاقات وثيقة مع القبائل المالية. سخرت جميع الوسائل لخدمة قضية تفتقر إلى الشرعية والتجدر الهوياتي. وهكذا أصبح شمال مالي منطقة مفضلة لتجنيد عناصر للبوليساريو ولأنشطتها، كما تشير البرقية السرية:

«يمكن لأعضاء البوليساريو الاعتماد على مساعدة بعض السكان في شمال مالي المؤيدين لهم. ويتعلق الأمر، في المقام الأول، بقبيلتين موريتين تنتقلان تقليديا بين مالي والجزائر. ويعتقد أن قبيلة طروموز (Troumouzes)، المنقسمة إلى فرعين يقعان شرق وغرب صحراء مالي، تنحدر أصولها من موريتانيا. ويعتقد أن قبيلة أولاد غنان، المتعاطفة أيضا مع الصحراويين، وصلت إلى مالي مؤخرا من جنوب الجزائر. ويقال إن مقاتلي البوليساريو جندوا بعض المؤيدين من بين هؤلاء الرحل، بل وصلوا إلى حد الزواج مع فتيات من هاتين القبيلتين».

كان لهذه العمليات هدف مزدوج، وهو تجنيد المقاتلين وإنشاء ما يسمى بمخيمات إنسانية على طول الحدود المالية. هذه المخيمات، التي قدمت على أنها مخيمات «لاجئين»، كانت في الواقع تهدف بالأساس إلى تقوية البوليساريو عسكريا. بمجرد إنشائها، اعتبرت تلك الساكنة المتواجدة في رابوني من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رسميا كـ«لاجئين»، في حين لم تتمكن المفوضية حينها من كشف هذا التلاعب. وهكذا، حبكت مسرحية إنسانية حقيقية، تخدم بشكل مباشر الطموحات الانفصالية للحركة.

كما تذكر البرقية استراتيجية توطين أخرى دبرتها الجزائر: تهجير سكان الطوارق من منطقة تمنراست إلى تندوف. كان الهدف إنشاء حزام من الحلفاء الموثوق بهم ويسهل التحكم بهم حول قواعد البوليساريو:

«من جانب الطوارق، علمت من مصدر موثوق أن السلطات الجزائرية نقلت مجموعات من هذه الإثنية، التي لجأت إلى الجزائر في منطقة تمنراست بعد تمرد عام 1963 الذي سحقه الجيش المالي في أدرار إيفوغاس، بالقرب من قواعد البوليساريو في منطقة تندوف».

عكست سياسة التوطين هذه استغلال الجزائر للسكان المحليين، ليس فقط لأغراض عسكرية، بل أيضا لأهداف جيوسياسية. وهكذا، مكنت الجزائر من تأمين منطقة هشة للغاية، مع توفير بيئة مفيدة وطيعة للبوليساريو.

تندوف، تمنراست: يد الجزائر

هذا التهجير للطوارق ليس اعتباطيا. إنه يندرج في إطار استراتيجية شاملة، وإعادة انتشار مدروسة ومنظمة. لا تمارس السيطرة الترابية بالقوة العسكرية فحسب، بل أيضا، وقبل كل شيء، بالتحكم في الساكنة.

بتوطين هذه المجموعات من الطوارق قرب قواعد البوليساريو، تعزز الجزائر حزاما بشريا حقيقيا. وهكذا، تنشئ الحكومة الجزائرية جغرافية بشرية مواتية، وحاجزا اجتماعيا واقيا حول البوليساريو. وبالتالي، تفقد الحركة الانفصالية طابعها العسكري المحض، لتصبح بنية راسخة في الميدان.

وهكذا تتجاوز الجزائر مجرد الدعم السياسي، وتنخرط عمليا في الصراع، متعمدة طمس الحدود الفاصلة بين الدعم الأيديولوجي العلني والعمل العسكري الفعال. تقدم جميع هذه العناصر أدلةً وافرة على سردية صراع ليس مجرد إرث استعماري، بل أزمة اختلقتها الجزائر، واستغلتها، وأبقت عليها لأغراض سياسية إقليمية.

وشكلت القواعد العسكرية الجزائرية المتواجدة في تندوف وتمنراست وبرج باجي مختار نقاط انطلاق لوجستية لهذه التوغلات، مما يؤكد وجود رابط عضوي مباشر بين السلطات العسكرية الجزائرية والقوات الانفصالية.

وأوضح بيير كورني في برقيته السرية أن جنوب الجزائر أصبح قاعدة خلفية حقيقية لجبهة البوليساريو: «وفضلا عن ذلك، تشير التقارير إلى وجود مستوطنة على الحدود المالية الجزائرية قيد الإنشاء والتوسع، حيث تحظى البوليساريو بقبول واسع. تقع هذه المستوطنة، الواقعة بالقرب من برج باجي مختار، المعروف لدى الموريين باسم البريج، على الطريق الرابط بين غاو والجزائر».

وفي ما يتعلق بالتدخل المباشر للجيش الجزائري، والذي وصف صراحةً بأنه «تجاوز تعسفي»، قال القائم بالأعمال الفرنسي في باماكو بشكل قاطع: «منذ ذلك الحين، أفادت التقارير بأن الجزائر شيدت حينا هناك. وقد تم مؤخرا تعزيز القوة العسكرية الجزائرية التي تحتلها ووضعت تحت قيادة ضابط. ويقال إن البوليساريو تجند أيضا من بين السكان المتجمعين في هذه المنطقة، والذين ازداد عددهم مع تفاقم الجفاف».

وتكشف هذه الوضعية بوضوح عن استراتيجية توطين عسكرية، دبرتها الجزائر بعناية، بهدف تقوية السيطرة الإقليمية لجبهة البوليساريو وتعزيز نفوذها الإقليمي بشكل مستدام من خلال الاستغلال الساخر للسكان المحليين.

ضرورة فتح سفارة مغربية في باماكو

أشار الدبلوماسي في برقيته إلى عدة ديناميات متقاربة: إحياء الذاكرات الصحراوية الجماعية، وتنامي انعدام ثقة السكان المحليين تجاه جبهة البوليساريو، والتعبئة السياسية للسلطات المالية، وترسيخ النفوذ المغربي والموريتاني في شمال مالي.

هناك واقعة اجتماعية وسياسية جوهرية أخرى: سكان تمبكتو، الذين اعتادوا التجارة ويلتزمون بالاستقرار، لا ينظرون إلى الجزائر كدولة محررة، بل وريثة لتقاليد حربية قديمة مرتبطة بالغزوات. إن استحضار «تقاليد الغزوات البغيضة » يوقظ ذاكرة جماعية اتسمت بقرون من انعدام الأمن عبر الصحراء، والذي غذته الهجمات المسلحة والتنافس القبلي:

«في تمبكتو، حيث يعتمد الناس أساسا على التجارة التي تزدهر في ظل السلم، وحيث يميل السكان تقليديا وعاطفيا نحو المغرب، لا يتردد البعض، كما لاحظت، في بث الخوف من هؤلاء المحاربين الصحراويين الذين يحيون تقاليد الغزوات القديمة والبغيضة».

يضفي هذا الارتباط التاريخي والعاطفي لمالي بالمغرب بعدا سياسيا عميقا على العداء المحلي تجاه البوليساريو. ويكشف أن الولاءات الشعبية داخل هذه الأراضي ذات الهوية الصحراوية القوية تتجاوز إلى حد كبير الحدود التي رسمها الاستعمار. لذلك، يشكل هذا الميل نحو المغرب عقبة ملموسة أمام توطين البوليساريو بشكل دائم، ويعيق بشكل واضح توسع النفوذ الجزائري في المنطقة.

كما تشير الوثيقة إلى أن السلطات المالية أحسنت استغلال هذا التوجس الشعبي لتعزيز منظومتها الأمنية والمعلوماتية. من خلال إطلاق «حملة إعلامية» ضد جبهة البوليساريو، لا تهدف السلطات إلى تعبئة المجتمعات المحلية فحسب، بل أيضا إلى إضفاء الشرعية على الإجراءات الوقائية ضد التوغلات الصحراوية. وتعني هذه الاستراتيجية، بشكل غير مباشر، اتخاذ موقف ضد محور الجزائر-تندوف، كما يشير الدبلوماسي بوضوح:

«أطلقت (السلطات المالية) مؤخرا حملة إعلامية تهدف إلى توعية سكان منطقتي تمبكتو وغوندام بالمخاطر التي يشكلها مرور عناصر البوليساريو إلى مالي».

المغرب يستعد

«ويمكن القول إن افتتاح سفارة مغربية مرتقبة جدا في مالي -وهو حدث منتظر- سيوسع بدوره منظومة مراقبة تحركات البوليساريو جنوب الصحراء».

لا يهدف افتتاح هذه السفارة فقط إلى تعزيز العلاقات الثنائية، بل يستجيب أيضا لضرورات أمنية. فالمغرب يسعى إلى امتلاك قدرة على التموقع السياسي في قلب منطقة الساحل. يريد أن يراقب، أن يواجه، وأن يرد على الزحف الجزائري.

لهجة الدبلوماسي هادئة، لكن الإيحاء واضح: من خلال هذه السفارة، تسعى الرباط إلى مواجهة الشبكات الجزائرية والصحراوية فوق التراب المالي.

وهكذا، فإن هذا التواجد الدبلوماسي المرتقب يكتسي طابع موقع متقدم. بل يشبه بمقدمة جبهة في صراع لا يعلن عنه.

بعد نحو نصف قرن، يتكرر السيناريو بلبوس مختلف. فـ«اتفاقات الجزائر» لعام 2015 كرست فكرة مالي الممزقة، حيث تخضع المنطقة الشمالية لنفوذ جزائري، وقد تعلن استقلالها يوما ما. أما بالنسبة لباماكو، فقد تحولت «الأحزمة البشرية» القديمة التي وصفها بيير كورني إلى ملاذات آمنة لجماعات إرهابية، تتغذى من السلاح والمؤن والأفكار الانفصالية القادمة من الجزائر. وفي أبريل 2024، نددت الحكومة المالية علنا بالدور الذي تؤديه الجزائر كـ«راعية للفوضى». من تندوف إلى برج باجي مختار، ما تزال المسالك المغبرة نفسها تشهد على مرور سيارات لاند روفر التي تم التحدث عنها سنة 1978.

وتتحول الأرشيفات بذلك إلى وثائق إثبات: فهي تظهر أن الجزائر، في منطقة الساحل، ظلت تواصل بلا كلل مشروعها التوسعي.

(1) مذكرة سرية تحت عنوان: «تسلل البوليساريو إلى مالي»، وجهها القائم بالأعمال الفرنسي في باماكو، بيير كورني، إلى وزير الخارجية الفرنسي، لويس دو غيرينغو، بتاريخ 17 ماي 1978. أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية، عدد 558PO/1/221.

تحرير من طرف الجيلالي العدناني
في 03/08/2025 على الساعة 17:38