في أحد خطاباته أمام المجلس الوطني الفلسطيني، صرح الرئيس محمود عباس عن نقاش سياسي دار بينه وبين الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، حيث تقدم الأخير بعرض يمنح من خلاله قطعة أرض من سيناء لتوطين الفلسطينيين، إحياءً لمشروع غيورا إيلاند؛ الداعي لنقل الفلسطينيين في قطاع غزة، والبالغ عددهم 2.3 مليون نسمة قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) إلى "مخيمات" في شبه جزيرة سيناء المصرية ثم بناء مدن دائمة وممر إنساني.

الرفض الفلسطيني المعلن في ذلك الوقت على لسان الرئيس عباس، جعل أقطاباً سياسية مصرية تستدرك خطورة التفكير الإخواني الداعم للمشروع الإسرائيلي المتجدد بين حين وآخر، بل ساهم بشكل أو بآخر في وأده إبان فترة حكم مرسي.. ليعود المخطط ويطفو على السطح مجدداً بعد السابع من أكتوبر؛ كحل بديل يُنهي القضية الفلسطينية على حساب الأرض المصرية.

بالنظر إلى سياق الدعوات الإخوانية المشبوهة لفتح معبر رفح؛ المعبر الوحيد بين قطاع غزة وجمهورية مصر، فكلما اشتد قصف آلة الحرب والدمار الإسرائيلي، خرجت أصوات من الجماعة وحلفائها ووسائل إعلامها بالمطالبة بفتح المعبر، دون الالتفات لخطورة ما يتم تداوله عن تهجير الفلسطينيين من القطاع، وتصفية المشروع الوطني الفلسطيني القائم على دولة في حدود الرابع من حزيران لعام 1967.

مجدداً.. مصر التي رفض رئيسها عبد الفتاح السيسي التماهي مع المخططات الإسرائيلية والأميركية كمهرب لحل معضلة القطاع بتهجير سكانه، حيث أضحى للجميع يعي حجم الضغوط على القاهرة من أجل القبول والموافقة على تنفيذ هذه المخططات، يستدل على ذلك تصريح سابق لأمين عام الجامعة العربية؛ أحمد أبو الغيط: إن معركة التهجير القسري للفلسطينيين يبدو أنها ستكون معركة طويلة، وتحتاج إلى تضامن عربي مكثف لإحباط المخططات الشريرة التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية.

مع قرب اكتمال الصورة، لم يعد خافياً بيان مؤامرة السابع من أكتوبر ومسارها، الذي يقوده بنيامين نتنياهو بأدوات يمينية فلسطينية وعربية؛ أمثال حركة حماس وجماعة الإخوان في كافة فروعها سواءً داخل تل أبيب أو عواصم عربية وعالمية.

وأستحضر هنا من مقالات سابقة لي عبر صحيفة إيلاف، وأعيد تكرارها في متن هذا المقال؛ كم أعطت حركة حماس طوق النجاة لحكومة بنيامين نتنياهو، التي كانت قبل يوم السابع من أكتوبر على شفى الانهيار والرحيل، بل وأكثر من ذلك.. ألم تمنح حركة حماس في سياق تداعيات الصراع فرص بقاء هذه الحكومة متماسكة، آخرها عندما استقال إيتمار بن غفير في كانون الثاني (يناير) الماضي، وما زالت تماطل في الوصول إلى اتفاق هدنة ليبقى بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة في تل أبيب.

في الآونة الأخيرة، سعت إسرائيل لتضخيم من عمليات حماس الوهمية والمصورة، حتى تبرر استمرار عملياتها العسكرية في القطاع أمام المجتمع الدولي، رافعة بذلك من رصيد الإسلام السياسي المتمثل بالإخوان في العالم العربي، في المقابل لجأت إليهم لتخفيف الضغط الدولي عليها نتيجة سياسة التجويع الممنهج ضد أهالي غزة، من خلال حملة تقودها الجماعة سياسياً وإعلامياً ضد كل من جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية، لصرف الأنظار في هذا التوقيت الحساس عن المسؤولية القانونية والأخلاقية لجرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.

بات جلياً اصطفاف جماعة الإخوان وانحيازهم المقيت لتنفيذ مخططات إسرائيلية وأميركية، خاصة في ظل موجة الاعترافات من قبل دول وازنة بالدولة الفلسطينية، اصطفاف قد يمنحهم فرصاً لتقدم في مواقعهم السياسية تمهيداً لحلم العودة إلى الحكم في دول عربية، وهو ما يؤكده مجدداً استمرار تعنت حماس ومماطلتها بإيجاد حل عبر صفقة تخفف حدة الاحتياجات الإنسانية الضاغطة على سكان قطاع غزة، وتسهم في الخلاص من عبث حكمها السياسي وسلاحها العسكري.