الحرية المطلقة مفسدة مطلقة
بداية لا بد من الإشادة بالجهود التى تبذلها الأجهزة المختصة بمواجهة كل صور التجاوز والخروج على مقومات وتقاليد المجتمع المصرى، ومواجهة كافة صور الاستغلال غير المنطقى وغير المشروع وغير المقبول (قل كما تريد)، لمواقع السوشيال ميديا بكل تنوعاتها ومسمياتها.
الأمر المهم التالى، هو التأكيد على ضرورة أن تشمل جهود المواجهة لتلك الظواهر المشينة، إجراءات متعددة قد تشمل المنع أو التقييد أو التنظيم، ولا نخشى من أن يقال إن المنع أو التقييد أو التنظيم إجراءات تنال من حرية الرأى والتعبير.
يجب أن نعلم أن دولاً كبرى، وتوصف ضمن دول العالم المتقدم، اتخذت إجراءات تنظيمية ضد العديد من ممارسات مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى، والتى اعتبرتها تلك البلدان تجاوزات تمس مقوماتها وأسس الحرية فيها.
وأسوق تجربة خاصة، عايشتها عند زيارة خاصة قمت بها قبل عام تقريباً لدولة كندا، فخلال متابعتى لوسائل التواصل الاجتماعى، وكما تعودت أردت إعادة تشيير (نشر) مقالاتى التى تنشر بعدة مواقع وصحف إخبارية على مدى الأسبوع، فلاحظت رسالة وردت على كافة صفحاتى على وسائل التواصل الاجتماعى، جميعها تقول ذات المعنى وهو أنه غير مسموح بهذا الإجراء فى هذا البلد.
وتتبعت الشرح المرفق، كما بدا ظاهراً فى الرسالة، فتبينت أن الأجهزة المعنية فى كندا، وأشدد كندا من أكبر 10 دول اقتصادياً فى العالم، أجرت دراسات وانتهت إلى قرار إلغاء الشير على جميع مواقع السوشيال ميديا.
والحقيقة أنى وبعدما تبحرت أكثر فى تتبع هذا القرار ودوافعه من جانب السلطات الكندية، تبينت أن هذا القيد استهدف فى الأساس حماية حقوق الملكية الفكرية للمواقع الإخبارية، التى لديها تعاقدات وصفقات إعلانية بقيم ليست قليلة، تتعرض لخسائر ليست بالقليلة.
الحادث أنه ورغم أن مقومات المجتمع التى تراقبها وتراعيها الدولة لدينا مختلفة تماماً عن تلك المعايير التى تراعيها دولة أخرى، كما أوضحنا فى دولة مثل كندا، هناك دول أخرى مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، ومع كل التوجهات السياسية وأنظمة الحكم فى تلك الدول وغيرها، إلا أن مبدأ التنظيم، سواء بالمنع أو التقييد أو بأى وسيلة أخرى، قائم ومتبع.
الحادث أيضاً أن السوشيال ميديا لدينا أصبحت مصادر تمارس العديد من الممارسات، التى تشكل الكثير منها جرائم تستوجب المواجهة المباشرة والعقاب المشدد، أولاً لمحاسبة مرتكبها، ثانياً لتحقيق عنصر الردع فى المجتمع، بعدما اتسع المجال بلا حدود لكل ما يمكن أن نضعه ضمن الانتهاكات التى تمس مجتمعنا وقيمة وأقدار الناس فيه.
مرتكبو الانتهاكات المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعى (السوشيال ميديا) انتهزوا فرصة التواضع الثقافى والمعرفى عند فئات عديدة من مجتمعنا، واستغلوا شغف غالبية الناس بالتفاعل، سواء بتتبع الأحداث (أى أحداث وبصرف النظر عن حقيقة وصحة بعضها) والشغف الكبير بإعادة بث تلك الأنباء أو المعلومات التى تتواتر بصرف النظر عن التحقق من أى منها، ودون التحسب للأضرار التى تترتب على تلك الممارسات، سواء على الأفراد أو على المجتمع.
مستخدمو بعض مواقع السوشيال ميديا، خاصة تلك المواقع التى تعتمد على الفيديو، انجرفوا وراء تحقيق العائد المادى بأى وسيلة، دون تحسب أو مراعاة لأى مرجعية أخلاقية أو دينية أو مجتمعية، وتابعنا آلافاً وربما مئات الآلاف من الأسر التى تتفنن بكل أفرادها فى الوقوف أمام الكاميرات لممارسة كل الموبقات بهدف تحقيق ربح مادى.
أعيد التكرار بالإشادة بكل الجهود التى بدأت الدولة المصرية وبمختلف أجهزتها المختصة ضد كل المتاجرين بكل شىء عبر وسائل التواصل، وأعيد التكرار بالمطالبة بالتنظيم بشتى الوسائل، فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة.