” لادجيد وتقاطعات الخفاء .. حين تتناطح العيون خلف الستار”

الجمعة 1 أغسطس 2025 - 10:46

محمود هرواك

في جغرافيا الأسرار، لا وجود لحدود ثابتة، ولا رايات تُرفع فوق رؤوس الجواسيس. هناك، في دهاليز العالم الخفي، لا تُقاس العلاقات بالتحالفات الرسمية، بل بتقاطعات المصالح، وتوازنات الخوف، وتكتيكات المعلومة.

تتحرك المديرية العامة للدراسات والمستندات، المعروفة اختصارًا بـ”لادجيد”، ككائن مركّب لا يخطئ طريقه وسط شبكة من الأجهزة الاستخباراتية العالمية. ليست وحدها في الميدان، لكنها غالبًا ما تكون هناك قبل غيرها، تقرأ النبض، وتضع أول نقطة في سطر الأحداث قبل أن يُروى في نشرات الأخبار.

عين ترى أبعد من الخريطة

لا يمكن فهم “لادجيد” دون فهم هندسة الاشتباك الاستخباراتي العالمي. فهي لا تعمل في عزلة، بل تتقاطع أعمالها يوميًا مع أجهزة عابرة للقارات: CIA الأميركية، DGSE الفرنسية، الموساد الإسرائيلي، وحتّى FSB الروسية… ليس تعاونًا دائمًا، ولا خصومة دائمة، بل تقاطع لحظي تفرضه خرائط التهديد ومواقع المصالح.
“لادجيد” تدرك أن المعلومة أثمن من الذهب، وأن تبادلها ليس كرمًا بل هندسة: أعطني ما أريد، أعطيك ما قد تحتاج. إنها سياسة المقايضة في زمن ما بعد الثقة.

شراكات غير معلنة… لكن فعالة

في الحرب ضد الإرهاب، لم تكن “لادجيد” تراقب من بعيد. بل كانت في قلب التنسيق مع الحلفاء. تقارير استخباراتية مشتركة، عمليات ميدانية منسقة، ومعلومات دقيقة حالت دون وقوع حمامات دم في مدن أوروبية كبرى.

الأجهزة الأوروبية، وعلى رأسها DGSI الفرنسية وBfV الألمانية، تنظر إلى “لادجيد” كعينٍ قادرة على الرؤية حيث لا تجرؤ أعينهم أن تذهب، خصوصًا في عمق الساحل والصحراء، وفي بؤر الهجرة غير الشرعية.

بين التنسيق والتجسس المتبادل

لكن عالم المخابرات لا يعيش على حسن النوايا. في لحظة ما، قد يتحوّل الحليف إلى مُراقب، والشريك إلى خصم محتمل. وهنا تتقاطع “لادجيد” مع شبكات أخرى في لعبة متعددة الوجوه: تتعاون أحيانًا مع الموساد، وتتنافس معه أحيانًا أخرى، في إفريقيا؛ تشارك المعلومة مع الأمريكان، وتخفي عنهم أخرى، لأنها تعرف أن من يملك المعلومة يملك المبادرة.

الاستخبارات الجزائرية: صراع الأنداد

لا يمكن الحديث عن تقاطعات “لادجيد” دون التوقف عند العلاقة المعقّدة والمتوترة مع المخابرات الجزائرية (DSS) فهنا لا مجال للتنسيق، بل ساحة مفتوحة لحرب باردة تدار بالعملاء، والإعلام، واختراق شبكات النفوذ.. كل جهاز يرى الآخر كمهدد مباشر لمجاله الحيوي، ومعركة النفوذ في إفريقيا تنقل هذا الصراع إلى مربعات استراتيجية تتجاوز السياسة نحو الأمن والاقتصاد والدين والفن والإعلام..

الأجهزة الإفريقية: الحضور المغربي كمعلومة مستبقة

في الدول الإفريقية التي تربطها علاقات تاريخية بالرباط، أصبح لـ”لادجيد” نفوذ لافت جدا… ليست سيطرة فحسب، بل شبكة من الاتصالات النشطة، والتعاون الأمني، والمعلومة المتبادلة. حتى أن العديد من الأنظمة الإفريقية ترى في “لادجيد” قوة استخباراتية أكثر موثوقية من أجهزتها الخاصة، بل وأكثر فاعلية من نظرائها الفرنسيين الذين فقدوا الكثير من الأرض.

لغة الصمت… لكنها مفهومة دوليًا

رغم صمتها الإعلامي، تفرض “لادجيد” احترامها الكبير بين أجهزة العالم. لا تحتاج إلى بيانات ولا إلى صور تسويقية.. حضورها في التقارير السرية، واسمها يتردد في الكواليس، ويُطلب ودّها عند الأزمات. لأن الجميع يعلم أن المغرب، بفضل هذه العين الخفية، يعرف أكثر مما يقال، وأحيانًا أكثر مما ينبغي.

في عالم الخفاء، حيث لا تُرفع الأعلام ولا تُعزف الأناشيد، تتقاطع “لادجيد” مع عيون العالم. تارة شريكة في الصمت، وتارة خصما في الخفاء، لكنها دوما وأبدا موجودة بهدوءٍ، بثقة، وبأثرٍ لا يُمحى.

في متاهة الاستخبارات، حيث كل خيطٍ متصل بآخر، وكل معلومة تنبع من عين وتُصبّ في بحر آخر، لا شيء يُترك للصدفة. “لادجيد” ليست مجرد جهاز وطني، بل عقدة استراتيجية في نسيج عالمي من التشابكات السرّية. تقف حيث تتقاطع المسارات، وتتنفس من هواء لا يشمه العامة، وتنسج تأثيرها بخيوط لا تُرى ولكن تُحَس.

هي تلك النقطة الدقيقة التي توازن بين الشراكة والمراقبة، بين التنسيق والحيطة، بين أن تُمسك بالخيط دون أن تُشَد من الطرف الآخر. وفي زمن تتداخل فيه المصالح أكثر مما تتباعد، تصبح “لادجيد” فاعلًا مركزيًا في رقعة الشطرنج العالمية، تلعب دور الملكة أحيانًا، ودور القلعة أحيانًا أخرى، لكنها لا تكون أبدًا مجرد بيدق.

فالسيادة اليوم لا تُقاس بالحدود وحدها، بل بما تعرفه عن الآخرين قبل أن يعرفوا عنك. وفي هذا العالم، تبقى “لادجيد” في قلب المعادلة:
عينٌ لا تنام، ويدٌ لا تُصافح إلا بحذر، وصوتٌ لا يتكلم… لكنه مسموع في كل مكان.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الجمعة 1 أغسطس 2025 - 19:20

التاريخ كآلية للتذكير في خطاب المؤسسة الملكية

الأحد 27 يوليو 2025 - 21:03

محمد ياسين المنصوري .. حين ارتدت لادجيد بذلة القرن الحادي والعشرين.

الأحد 27 يوليو 2025 - 18:45

الأمير مولاي الحسن صناعة زعامة على الطريقة الأمريكية بإشراف مغربي فريد

الجمعة 25 يوليو 2025 - 19:02

لادجيد في إفريقيا، من الدليمي إلى البصري.. حينما غيرت العيون وجهها