الغزو الغاشم... الكويت سطرت بدماء أبنائها ملاحم في الصمود والكبرياء
• الاجتياح الصدامي حاول طمس الهوية الوطنية للكويت ومحو وجودها وشرعيتها
• الغزاة اتبعوا أبشع أساليب القتل والاعتقال والقصف ونهب الممتلكات وترويع الآمنين
• وقوف الكويتيين خلف قيادتهم وتضحيات المقاومة شكّلا طعنة كبرى لأهداف الغزو
• الكويتيون أثبتوا أن حب الوطن لا يهزم وأن الإيمان بالشرعية والوحدة أقوى من أي اعتداء
• جهود القيادة الحكيمة نجحت في حشد التأييد العربي والدولي لنصرة الكويت وتحريرها
استحضرت ذاكرة الكويتيين والعالم، أمس، الذكرى الأليمة الـ 35 للغزو الصدامي الغاشم لدولة الكويت، حين اجتاحت قوات النظام العراقي السابق الأراضي الكويتية في 2 أغسطس 1990، في اعتداء سافر استهدف الكيان والسيادة، محاولاً طمس الهوية الوطنية ومحو وجود دولة مستقلة وعضو فاعل في المجتمع الدولي.
ففي ساعات الفجر الأولى من 2 أغسطس 1990 اجتاحت القوات العراقية أراضي الكويت في عدوان غادر استهدف احتلال البلاد بالقوة وسلبها حريتها ومحاولة القضاء على الشرعية فيها، متّبعة أبشع أساليب القتل والاعتقال والتعذيب بحق المدنيين وقصف المواقع المدنية والعسكرية ونهب الممتلكات وترويع الآمنين. ولم يكن الغزو الغاشم مجرد اعتداء عسكري بل كارثة إنسانية لم تشهد المنطقة لها مثيلا، وكان بداية محنة وطنية هزت وجدان كل مواطن، وتركت في النفوس جرحاً لا ينسى، وخلفت أثراً مأساوياً في الذاكرة الوطنية والعربية والدولية.
وإزاء هذا العدوان الغاشم سطّر الكويتيون أروع صور التلاحم والصلابة الوطنية فوقفوا في الداخل والخارج صفاً واحداً خلف قيادتهم الشرعية، كما سجل الكويتيون أروع صور التضحية من خلال المقاومة الكويتية التي وجهت ضربات موجعة للقوات الغازية وبثّ الذعر والرعب في نفوس عناصرها ورفع معنويات الشعب الكويتي، متمسكين بالحق والسيادة رافضين الخضوع لواقع الاحتلال ومجسدين وحدة وطنية نادرة رسمت ملامح ملحمة تاريخية شكلت طعنة كبرى لأهداف الغزو، وانتهت بتحرير البلاد وعودة الشرعية في 26 فبراير 1991.
مقاومة شاملة
وأثبت الشعب الكويتي للعالم أجمع أن حب الوطن لا يهزم، وأن الإيمان بالشرعية والوحدة الوطنية أقوى من كل قوة غاشمة، فالوطن لا يمحى وصوت الكويتيين لم يخفت بل دوى في كل مكان يطالب بالحق ويستصرخ العالم لنجدة أرض السلام.
وسعى أبناء الشعب الكويتي إلى تشكيل فصائل ومجموعات عسكرية خاصة لمقاومة المحتل وإلحاق أكبر ضرر ممكن به في وقت كانت مجموعات أخرى تتولى أموراً مهمة أيضا كالإعلام والتغذية والنظافة والصحة والدعم اللوجستي والشعبي.
ولا ينسى التاريخ الدور المهم والفاعل للمرأة الكويتية في التصدي للمحتل العراقي، إذ سجلت المرأة الكويتية ملحمة تاريخية في الذود عن تراب الوطن، وشاركت في المقاومة بكل صورها وتوصيل المؤن والأسلحة لرجال المقاومة وحتى المشاركة في العمليات العسكرية وأسر جنود العدو وصولاً إلى تحرير البلاد.
الكويت لم تجعل من الغزو عنواناً للانتقام... وميّزت بين النظام البائد والشعب العراقي الشقيق
القيادة وحشد التأييد
وبذلت القيادة الحكيمة للبلاد، خلال محنة الغزو، جهوداً جبارة من أجل حشد التأييد العربي والدولي، للوقوف مع قضية الكويت العادلة، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحرير البلاد وسيادتها وعودة الأمن والأمان إلى ربوعها.
وأظهرت القيادة السياسية الكويتية آنذاك قدراً عالياً من الحكمة والبصيرة، تمثلت في الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، والأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله، إلى جانب الدور التاريخي للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وكانت له بصمات بارزة في حشد التأييد العربي والدولي لقضية الكويت العادلة.
وقد استجاب العالم لنداء الحق ووقفت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن موقفاً موحداً إزاء العدوان العراقي على أرض الكويت، وظهر ذلك بعيد وصول أنبائه إلى أروقة مجلس الأمن الذي اجتمع وأصدر بالإجماع القرار رقم 660، الذي دان فيه الغزو وطالب بانسحاب جميع القوات العراقية الغازية من الكويت فوراً ومن دون أي شروط.
وتطبيقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي توافدت قوات عربية ودولية إلى الأراضي السعودية لتشكل التحالف الدولي لتحرير الكويت من القوات الغازية، وفي المقابل زاد النظام العراقي السابق من تعنته وتماديه في طغيانه ولجأ إلى سياسة الأرض المحروقة، إذ عمد إلى إحراق 752 بئراً نفطية وتخريب المنشآت الحيوية، كما زرع الأرض بالألغام وحفر الخنادق النفطية في محاولة لعرقلة جهود التحرير والتسبب في أكبر ضرر ممكن للبيئة والبنية التحتية الكويتية، لكن إرادة تحرير الكويت كانت أقوى، وقد تم ذلك في فبراير 1991 من خلال عملية «عاصفة الصحراء» لتعود الكويت حرة أبية ويعود علمها مرفوعاً خفاقاً.
كويت السلام والإنسانية
وعقب التحرير ثبتت الكويت سياسة خارجية قائمة على التمييز بين النظام العراقي البائد والشعب العراقي الشقيق، مؤكدة أنها لا تحمل ضغينة لشعب مغلوب على أمره، بل وقفت إلى جانبه إنسانياً وقدمت له الدعم والمساعدات منذ عام 1993 وحتى اليوم، في صورة تعكس أصالة القيم الكويتية ومبادئها الثابتة.
وتكريساً لهذا النهج الأخوي قامت الكويت خلال السنوات الماضية بتسلم دفعات من رفات شهدائها الأبرار الذين استشهدوا إبان الاحتلال العراقي، كما تسلمت دفعات من الأرشيف والممتلكات الكويتية التي تم الاستيلاء عليها، في خطوة تعكس حرص القيادة السياسية على إغلاق الملفات العالقة بروح المسؤولية والإنصاف.
ولعل أبرز ما يميز هذه الذكرى رغم مرارتها أن الكويت لم تجعل منها عنواناً للانتقام بل منصة للسلام والتضامن، مستندة إلى موروثها الإنساني ومبادئها الثابتة في دعم استقرار المنطقة وتعزيز العلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب وفي مقدمتهم الشعب العراقي.
وستظل ذكرى ذلك اليوم الأسود في تاريخ البلاد حية في نفوس أبناء الكويت الذين عاشوا مرارة الغزو، كما تظل حية في نفوس أبناء الجيل الجديد الذين لم يعيشوا تلك الفترة التي مرت على وطنهم، فهذه الذكرى لا تمر كغيرها بل تقف أمامها الكلمات احتراماً لتضحيات الشهداء وصمود المقاومين ووفاء شعب لم ينحن بل حمل راية الكويت عالياً لتبقى الذكرى درساً للأجيال القادمة وعبرة في مواجهة الطغيان والدفاع عن الأوطان.
وها نحن اليوم نعيش في وطن مزدهر آمن كريم تحت راية قيادة حكيمة نستمد منها العزم لنكمل المسيرة، وننقل دروس الماضي لأجيال المستقبل، ونجدد العهد والولاء لهذا الوطن الغالي الذي سيظل دائماً حراً أبياً لا تنكسر عزيمته ولا تسقط رايته.