بمجرد أن تسأل أحد أبطال الميدان العاملين في الدفاع المدني أو الإسعاف بمدينة الرياض عن أوقات ذروة العمل بالنسبة له، فستكون إجابته: مع بدء السماح للشاحنات بالدخول إلى مدينة الرياض والمرور عبرها، بسبب كثرة المركبات الصغيرة والمتوسطة التي تشتعل بها النيران أو يُحتجز ركابها بعد ارتطامها بإحدى هذه الشاحنات، وحينما تسأل أحد رجال المرور، سيقول لك إجابة مقاربة.

أما إن سألت أحد سائقي تلك الشاحنات عن «كابوس نومه»، فسيقول: أن يكون لديه حمولة تتطلب مروره عبر الرياض، فقد يضطر للتوقف لما يزيد عن 12 ساعة بأحد مداخل المدينة، وبمجرد أن يُسمح له بالدخول قد يحصل على مخالفة مرورية بقيمة ثلاثة أو أربعة مشاوير طويلة، فقط لأنه خرج عن المسار المخصص للشاحنات ليتجاوز شاحنة متعطلة على المسار نفسه، وعليه الانتظار حتى تُصلح الشاحنة المتعطلة أو يتجاوزها. فإن سَلِمَ من المخالفة، فقد لا يسلم من اصطدام مركبة صغيرة به من الخلف، مع ما يمكن أن ينتج عن هذا الاصطدام.

أما بالنسبة لسكان الرياض، فتجدهم يوقتون مشاويرهم وخروجهم من الطرق السريعة قبل السماح للشاحنات بالدخول، خوفًا على سلامتهم، وحفظًا لوقتهم الذي سيُهدر بسبب كثرة الحوادث في هذا الوقت.


وبالنسبة لأصحاب المصلحة المستفيدين من الخدمات اللوجستية والنقل بهذه الشاحنات التي تمر بالرياض، فحدّث ولا حرج عما يُستنزف منهم من خسائر مادية بسبب التأخير وتراكم الأعمال غير المنجزة في مشاريعهم بسبب انتظار وصول هذه الشاحنات.

أما إن سألت وزارة الصحة وأشقّاءها من الجهات الصحية الأخرى في الرياض عن حجم التكلفة المادية لعلاج المصاب الواحد في مثل هذه الحوادث، التي تكون غالبيتها علاجًا من الحروق يمتد بالأشهر والأعوام، وتأهيلاً للأطراف بمدد مقاربة، فبالتأكيد أنهم يعون أنه مهما كان حجم تكلفة إيجاد البديل الوقائي لإيقاف هذه المعاناة، فلن يكون أعلى مما يتكبدونه للعلاج.

وإن سألت أمانة الرياض عن أكثر مسارات الطرق التي تحتاج إلى صيانة وقشط وسفلتة من جديد بشكل أسرع من المسارات المجاورة، فبالتأكيد أنه سيكون ذلك المسار المخصص للشاحنات.

أما إن سألت وزارة النقل، فستقول إن الرياض تستحوذ على حوالي 42 % من حجم النقل البري في المملكة، بفضل تطوير البنية التحتية والمشاريع العمرانية، بمعنى أن نحو 8.500 شاحنة تتحرك يوميًا حول الرياض لنقل البضائع من الموانئ والصناعات والإنشاءات.

ومن عاش في الرياض لفترة وغاب عنها ثم عاد إليها بعد أن أمسكت الهيئة الملكية لمدينة الرياض بزمام الأمور والتخطيط لمستقبل عاصمتنا؛ التي كل يوم هي أكثر تطورًا من أمسه، ونباهي بها بين مدن العالم حاضرًا ومستقبلًا؛ فيعي أن الهيئة قد حلّت معضلات أكبر من هذه المعضلة وبشكل جذري. ولكون مثل هذا الأمر هو نزيف في جسد التطوير لعاصمتنا الحالمة التي لا تنام؛ ولكونه استنزافًا للمال والوقت، وخفضًا لسرعة سير عجلة التنمية؛ فلسان حال من سألناهم أعلاه يقول: «أوقفوا نزيف الشاحنات في الرياض».