أربعون عامًا يتم فيها ترسيخ كراهية المرأة! في الوطن العربي فقط، يولد جيل بعد جيل وهو يُلقَّن بأن المرأة كائن أقرب إلى الإنسان ولكنها ليست بإنسان كامل! كائن خُلِقَ على هيئةٍ مقاربة لهيئة البشر من أجل غاية واحدة: إفراغ شهوة الرجل، وكونها وعاءً مجانيًّا يحتضن المواليد الجدد؛ فإنما هي أرحامٌ تدفع، وأرضٌ تبلع! وكما هو يقين وجود الأكسجين وتأكيد ضرورته للحياة. بالقدر ذاته من اليقين، استطاعت المجتمعات العربية خلق صورة وبيئة وتعريف لوجود المرأة على أنها أداة لا تصلح إلا أن تكون مجرد وعاء! وكل هذا لم يكن عبثًا أو صدفة، بل نتيجة قرار ثقافي مُمنهج، تم تسخير حتى «الجان» – تهكمًا – لخدمة وترسيخ هذا الهدف. هذا السلوك الذي مارسه ولا يزال يمارسه المجتمع العربي تجاه المرأة يمثل تهديدًا وجوديًا للمجتمعات، على صعدٍ كثيرة لا يعي آثارها الغالبية العظمى من الناس. إذ يتعدى أثره المجال الاجتماعي إلى الاقتصادي، ويخلّف تشوهات وتصدعات في الأرواح والنفوس. الفجور في هذا الظلم ضرب إنسانية الإنسان العربي، وأحدث له مآسٍ أخلاقية في رؤيته لذاته، وللنصف الآخر القابع في البؤس. وبمثل هذه الموافقة الضمنية – وهي الصمت – سلّمنا المجتمعات العربية على طبق من نذالة إلى أعداء الطبيعة البشرية. وضع المرأة قبل أربعين عامًا كان، بشكل ما، أقل بؤسًا من وضعها الحالي؛ إذ كانت تتمتع ببعض المكاسب الجزئية التي تلاشت، وأصبحت حلمًا لكثير من الفتيات. جميع الأمم تتقدم نحو الأمام، إلا «بني يعرب» فإنهم يُتقنون السير إلى الخلف، ويتمسكون بدائرة عداء مع الطبيعة البشرية! فرغم ازدياد عدد الجامعات وانتشارها، لا يزال الفكر الرجعي السايكوباتي يسيطر على كثير من العقول، بحيث أصبح الناس يمتلكون السيارات الفارهة والبيوت الواسعة، بينما أخلاقهم في مأزق. تم تسخير وسائل إعلام متعددة، بعقود طويلة، من قِبل تيارات متشددة وإعلام ذكوري، لبث فكرة أن المرأة هي الخطر الأخلاقي الحقيقي، وأن خطيئتها الوحيدة أنها تكوّنت أنثى في الرحم. ومع تراكم هذا الخطاب، أصبح هذا التصور جزءًا من النسق الثقافي العربي، المتغلغل في كل مؤسسة وسلوك. تعددت مظاهر العداء للمرأة وتكثيف الخطاب المعادي لها لمجرد كونها أنثى، وتشكلت عبر حرمانها من حرية التنقل والقرار، وتجريم صوتها وتعهيره، وشيطنة لباسها، حتى وصل الأمر إلى جعل كثير من النساء يقتنعن أن لضحكتهن أو صوتهن عيبًا فطريًّا! إنهن ضحايا غسيل دماغ ممنهج. وقد أدى هذا كله إلى تهميشها، وخلق بيئة خصبة للعنف ضدها، وزرع فكرة دونيتها الاجتماعية، وفرض رقابة أخلاقية عليها، مؤذية ومفرطة، تفوق تلك المفروضة على الرجل بأضعاف. وما تظنه المجتمعات مجرد انحياز ثقافي أو «حماية للفضيلة»، هو في الحقيقة خيانة بطيئة، تُسلم الداخل للأعداء دون أن تطلق رصاصة واحدة. كل ذلك يصب في مصلحة أعداء العرب، لأنه يعمّق الانقسامات المجتمعية، ويجعل البيئات الداخلية سهلة الاختراق من الخارج. جعل المرأة خصمًا للطبيعة البشرية لا يقتصر أثره عليها، بل يمتد إلى الرجل نفسه؛ فمثل هذه البيئة تفرز رجالًا ضعفاء نفسيًّا، مشوهين عاطفيًّا، يترنحون فكريًّا. رجال لا يعرفون كينونة المرأة التي أرادها الله لها، لأنهم لم يُعلَّموا إلا ما أرادت التيارات المتشددة أن يتعلموه. كما يُنتج هذا التوجه أجيالًا مكسورة أو منتقمة، متعطشة للأذى، ويؤدي إلى تدمير الثقة داخل الأسرة، وشيوع العنف الرمزي والفعلي. وهذه الكراهية لا تقف عند حدود النفس، بل تمتد لتخنق نبض الاقتصاد، إذ إن إجبار المرأة على البقاء داخل هذه الدائرة السيئة لا يدمّر روحها فحسب، بل ينعكس سلبًا على اقتصادات الدول، لأنك تعطل بالضرورة 50% من المجتمع، بل وتحوّله إلى عبء. فيتحول النصف المُقصى إلى فئة تحتاج للرعاية، وكأن الدول العربية تدير ميزانيتين: واحدة للنصف المنتج، وأخرى لرعاية النصف المعطّل، بما يجعلها تنوء بحمل ثقيل قد لا تقوى على تجاوزه. لسنا نعاني من شيطان خارجي، بل من خراب داخلي صُدّر إلى الوعي عن عمد. الأمم المتقدمة تسعى لاكتشاف مكامن الخلل فيها، حتى تُخرج الأجيال القادمة من عداءها الداخلي مع الطبيعة البشرية. فلماذا لا يفعل العرب الشيء نفسه؟ إن كسر هذه الدائرة لا يمكن أن يتم عبر جهد فردي أو مبادرة مؤسسية متواضعة، بل يحتاج إلى وعي سياسي جريء يحمل فكرًا عظيمًا. استعادة الإنسان العربي المنهك تبدأ من انتشال المرأة من تحت ركام النذالة الذي صُمِّم كي لا ينتهي. المرأة ليست نصف المجتمع فحسب، بل هي من يمنح النصف الآخر معناه، وقبلة الحياة. فهل من مدّكر؟