حين نميز بين «المشهور» و«المؤثر»، يتضح أن الجملة السابقة قد تثير الجدل لأنها صادرة عن مشهور، لا مؤثر. فالمشهور هو من تُسلّط عليه الأضواء لكثرة متابعيه أو حضوره، لكنه قد يمر في حياة الناس مرور الظل. أما المؤثر، فهو من يُترجم وجوده إلى تغيير ملموس في سلوك أو وعي أو فعل. من يشجع على القراءة فيرتفع الإقبال على الكتب، من يطلق مبادرة اجتماعية فيشارك فيها الناس فعلًا، من يثير قضية فيتحول النقاش حولها إلى وعي جمعي. بهذا المعنى، ليس كل مشهور مؤثر، ولا كل مؤثر يحتاج أن يكون مشهورًا.
لكن لماذا استفزت عبارة «لا نستقبل ضيوفًا» مشاعر الناس؟ لأن البيت السعودي لم يكن مجرد مأوى للراحة، بل عنوان للكرم. الضيف فيه يُستقبل أولًا بالقهوة العربية، تلك التي لم تكن مشروبًا فحسب، بل طقسًا يعبر عن الاحترام. ولأنها قيمة متجذرة، جعلتها المملكة إحدى أهم شعاراتها الوطنية، حين أعلنت عن «عام القهوة» في 2022، لتقول للعالم إن القهوة ليست فناجين صغيرة فحسب، بل هوية تختصر تاريخًا من الكرم.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الحياة تغيّرت. الخصوصية صارت مطلبًا مشروعًا، والضغوط اليومية جعلت كثيرين يبحثون عن مساحات خاصة بعيدًا عن الالتزامات الاجتماعية. هذا ما يفسر ملاحظة منتشرة في المدن الكبرى مثل الرياض: كثير من المنازل الجديدة تُدخل الزائر مباشرة إلى الصالة، بل تكشف أحيانًا غرف النوم لا وجود لمجلس الرجال ولا غرفة الطعام، وحين سألتُ أحد أصحاب البنايات السكنية عن السبب، قال ببساطة: «الناس الآن لا يستقبلون في بيوتهم، بل في الاستراحات». الاستراحة هنا صارت البديل الحديث للمجلس التقليدي، فضاء مخصص للقاءات خارج نطاق البيت الأسري.
هذا التحول ليس تفصيلًا معماريًا فحسب، بل دليل على تغير اجتماعي عميق. بيت الضيافة الذي كان يومًا محورًا للقاء الجيران والأقارب، تراجع دوره لصالح الاستراحات والمقاهي والمتنزهات. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل تُغني هذه البدائل عن البيت كرمز للكرم؟ وهل يظل فنجان القهوة في الاستراحة يحمل نفس الرمزية حين يُقدَّم بعيدًا عن دفء البيوت؟
إن ما يقال على لسان المشاهير يجب أن يُفهم في سياقه الفردي. فقول «بيتي ليس للضيوف» قد يعكس تجربة شخصية، لكنه لا يصلح ليكون قاعدة عامة لمجتمع بأكمله. المجتمع هو من يقرر أي الأفكار يرفعها إلى مستوى القيم، وأيها يتركها تمر كما جاءت. هنا يكمن الفرق بين التلقي الواعي والتقليد الأعمى.
البيت السعودي، رغم كل التغيرات، سيظل في ذاكرة الناس بيتًا للكرم. الخصوصية مطلوبة، لكنها لا تلغي قيمة الضيافة، بل تنظّمها. وما أجمل أن تظل القهوة السعودية، التي تُسكب بيمين الكرم وتُقدَّم بدلالها المذهبة، رمزًا حيًا لهذه المعادلة: خصوصية تحترم الأسرة، وكرم يحفظ الهوية. وبين المشاهير وأقوالهم، وبين المجتمع وعاداته الأصيلة، يبقى فنجان القهوة شاهدًا على أن الكرم السعودي قدر لا يزول.