التعليم هو حجر الأساس لنهضة المجتمعات، لكن أثره لا يكتمل إلا إذا اقترن بالقدرة على التعلم الحقيقي، والشغف بالمعرفة.

والمدرسة، وهي البوابة الأولى للتعليم، كثيرًا ما تستقبل الطلاب بكتب ودفاتر، لكنها لا تزرع فيهم شغف القراءة كما ينبغي.

لقد أثبت التاريخ أن ازدهار العمران يرافقه ازدهار العلم فحين نمت الحضارة الإسلامية في بغداد وقرطبة والبصرة تفجّرت ينابيع المعرفة. وحين ضعف العمران، خبت أنوارها.


القراءة ليست ترفًا، بل شرطًا لبناء الوعي وترسيخ الهوية في زمن الانفتاح الرقمي. فهي خط الدفاع الأول، ضد التشتت، والضياع، ولهذا شدد الجاحظ على أن الهوية تقوم على أصالتها، لكنها لا تكتمل إلا بالانفتاح على معارف الأمم الأخرى.

والمدرسة العربية اليوم تعاني أزمة، إذ تحولت القراءة فيها من متعة إلى عبء، ومن نشاط حيّ إلى واجب ثقيل فينشأ الطالب وهو يربطها بالاختبارات لا بالحياة.

إن القراءة رفيق لا يمل، ومعلم لا يغلق بابه. وعند صناعة جيل قارئ لا يمكن أن تكتفي المدرسة بتكديس المقررات والواجبات، بل عليها أن تعيد تصميم برامجها بروح جديدة. فتخصص حصصًا للقراءة الحرة، وتحول النصوص إلى نقاش حيّ داخل الصف وتدرّب طلابها على بحوث قصيرة تتم مناقشتها لتغذّي ملكاتهم النقدية وتؤسس أندية قراءة نابضة بالحياة. عندها فقط تتحول المدرسة من مجرد مصنع للشهادات إلى واحة للمعرفة، حيث تنمو العقول القارئة والقلوب الواعية، ويصبح الكتاب رفيق الشباب ورافد الفكر المستنير.

إذا أردنا أن نربي جيلًا قارئًا حقًا، فلا بد من إطلاق مشروع متكامل للقراءة يحقق الأهداف التالية:

١- إدماج القراءة الالكترونية في المناهج بحيث تصبح ممارسة حية تنبض داخل الصفوف، وتستمر في الأنشطة اللاصفية خارجها.

٢- توفير مكتبات حديثة في المدارس والجامعات، لتكون منابع للمعرفة ومحفزات للاطلاع المستمر.

٣- التحفيز على المشاركة في مبادرات القراءة وربطها بالمقررات الدراسية ليصبح الكتاب جزءًا من تجربة التعلم اليومية.

٤- تشجيع الشباب على التدوين ومشاركة تجاربهم القرائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليصبح شغف القراءة ترندًا في الفضاء الرقمي، يواكب العصر ويغذي الوعي الثقافي.

وفي الختام إذا أردنا شبابا قادرا على مواجهة تحديات المستقبل فلا بد أن نعيد للمدرسة دورها بوصفها مصنعا للقراء ل امصنعا للشهادات، وكما قال المتنبي "وخير جليس في الزمان كتاب" لنجعل من الكتاب جليس شبابنا الأول، ولتكن المدرسة هي البوابة التي تفتح أعينهم على لذة القراءة ومعناها العميق.