البرنامج يركز على الوقاية بقدر تركيزه على العلاج، ويعتمد على نشر الوعي الصحي، وتحفيز السلوكيات الإيجابية، وتهيئة المدن لتكون أكثر ملاءمة للحياة الصحية. وتتحقق هذه الرؤية من خلال أكثر من ثمانين معياراً وضعتها منظمة الصحة العالمية، تغطي مجالات متعددة مثل المشاركة المجتمعية، والتعاون بين القطاعات، وجودة الهواء والمياه، وسلامة الغذاء، وإدارة النفايات، إضافة إلى تعزيز النشاط البدني عبر الحدائق والممرات المخصصة للمشي وركوب الدراجات.
انعكاسات البرنامج على صحة المجتمع أصبحت ملموسة في مدن كثيرة، حيث انخفضت نسب بعض الأمراض المزمنة، وارتفع مستوى الوعي لدى السكان بأهمية أنماط الحياة الصحية. كما أوجد البرنامج بيئة تشجع المشاركة، فصار المواطنون والجمعيات الأهلية جزءًا من صنع القرار وتنفيذ المبادرات، مما عزز الانتماء وحس المسؤولية المشتركة. ومع توظيف التقنيات الحديثة في قياس جودة الهواء والمياه، ومراقبة المؤشرات الصحية، والتواصل مع المجتمع عبر المنصات الرقمية، أصبح العمل أكثر كفاءة وشفافية.
مؤخراً حظي البرنامج بإشادة خاصة من مجلس الوزراء السعودي الذي اعتبره نموذجاً وطنياً يترجم توجهات الدولة نحو تعزيز الصحة العامة ورفع جودة الحياة، مؤكداً على أهميته كأحد أعمدة تحقيق مستهدفات رؤية 2030. هذه الإشادة الرسمية عززت مكانة البرنامج، ودفعت بمزيد من الدعم المؤسسي لضمان استدامته وتوسعه.
وعند الحديث عن هذه المبادرة المميزة لا بد من التوقف عند أبرز محطات النجاح التي شملت اعتماد المملكة لمدن صحية جديدة على نطاق واسع، حتى وصلت إلى ست عشرة مدينة معترف بها من منظمة الصحة العالمية. ولعل ما يميز التجربة السعودية مؤخراً هو دخول المدن المليونية في قائمة الاعتماد، مثل جدة والمدينة المنورة، لتصبح من أوائل المدن في المنطقة التي يتجاوز عدد سكانها المليون وتحقق معايير المدن الصحية. هذا الاعتماد لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة عمل مشترك بين الجهات الحكومية والمجتمع المحلي، حيث شهدت هذه المدن عملا كبيرا في سبيل أنسنتها، وذلك عبر تطوير مساحات عامة، وزيادة المساحات الخضراء، وتحسين مرافق ممارسة الرياضة وممرات المشي، وتوسيع الخدمات الصحية الوقائية، إلى جانب حملات تثقيفية واسعة النطاق.
إن إدراج مدن كبيرة مثل جدة والمدينة المنورة في هذا التصنيف أعطى البرنامج بعداً جديداً، فهو لم يعد مقتصراً على المدن الصغيرة والمتوسطة، بل أصبح نموذجاً قابلاً للتطبيق حتى في البيئات الحضرية الكثيفة والمعقدة. ومع استمرار الدعم من وزارة الصحة، وإشادة ودعم القيادة ومجلس الوزراء، وتكامل الجهود مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، يمضي برنامج المدن الصحية بخطى واثقة نحو هدف أكبر أشمل.
ولعل الطموح الذي يلوح في الأفق اليوم هو أن تتحول هذه المبادرة من مجرد اعتماد مدن صحية محددة إلى مشروع وطني شامل لتصبح السعودية وطنا صحيا؛ بحيث تتحول جميع مناطق المملكة لبيئات صحية متكاملة تدعم النشاط البدني وتوفر الغذاء الصحي وتحد من الملوثات، وترفع متوسط العمر وجودة الحياة ليعيش كل مواطن ومقيم في وطن ينعم بالصحة والعافية.