الخارجية الفلسطينية: ندين إرهاب المستوطنين المتواصل ونعتبره نتيجة لتحريض الحكومة الإسرائيلية
أعادت الإطاحة السريعة برئيس الوزراء ميشال بارنييه، وتعثّر حكومة خليفته فرنسوا بايرو، إحياء المقارنات مع الجمهورية الفرنسية الرابعة، التي لطالما انتقدها الجنرال شارل ديغول بسبب عدم استقرارها المزمن.
وبعد أشهر قليلة على تعيينه، يجد بايرو نفسه عاجزاً عن تثبيت أركان تحالف هشّ، في وقت تهدد فيه كتل سياسية بتقديم لوائح لحجب الثقة.
ويحذر محللون من أن فرنسا باتت على شفا مرحلة جديدة من التقلبات البرلمانية التي ميّزت الحقبة الممتدة من 1946 إلى 1958، حين تعاقبت 22 حكومة خلال 12 عاماً، بمتوسط عمر لم يتجاوز سبعة أشهر لكل منها.
ووفقا لتقرير صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية فإن التشابه مع الجمهورية الرابعة لافت، حيث اتسمت تلك المرحلة بانقسام سياسي ثلاثي، حيث رفض الشيوعيون والديغوليون المشاركة في الحكومات الائتلافية، مما أدى إلى حالة من الشلل.
بدورها، تقول جيني رافليك-غرينويّو، أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة نانت: "نحن نعيش وضعاً مشابهاً اليوم"، في إشارة إلى المشهد السياسي الثلاثي القائم منذ انتخابات 2022،مضيفة أنه رغم محاولاته مدّ اليد إلى اليسار، فشل بايرو في توسيع قاعدته الحكومية.
"فالجبهة الشعبية الجديدة"، رغم ضعفها التنظيمي، لا تزال تتخذ موقفاً معادياً، فيما يواصل حزب "التجمع الوطني" التلويح بإمكانية إسقاط الحكومة في الخريف، ما قد يفضي إلى حل جديد للجمعية الوطنية.
وأكد التقرير أن بايرو بات يعتمد على نفس التحالف غير المستقر الذي ساند بارنييه، والمكوّن من "موديم" و"النهضة" و"آفاق" وبعض النواب الجمهوريين، وهو تحالف لا يوفر قاعدة صلبة للحكم.
وجاء ضعف السلطة التنفيذية في الجمهورية الرابعة كردّ فعل على النموذج الرئاسي القوي الذي مثّله لويس نابليون بونابرت، حيث كرس دستور 1946 هيمنة البرلمان وقيّد صلاحيات رئيس الحكومة (رئيس المجلس آنذاك).
غير أن دستور 1958 الذي أسّس الجمهورية الخامسة، عكس هذا التوجه، عبر تقليص نفوذ الجمعية الوطنية وتعزيز صلاحيات السلطة التنفيذية.
إلا أن التطورات الأخيرة، وأبرزها حجب الثقة عن حكومة بارنييه في كانون الأول الماضي – وهو أمر لم يحدث منذ 1962 – تشير إلى عودة تدريجية لـ "برلمانية الحياة السياسية"، حيث يستعيد النواب دوراً مؤثراً في تشكيل السياسات.
كما في الجمهورية الرابعة، برزت مجدداً ظاهرة الأحزاب الصغيرة القادرة على ترجيح كفة التحالفات.
ففي الماضي، لعبت أحزاب وسطية مثل "الحزب الراديكالي" و"الاتحاد الديمقراطي الاشتراكي الجمهوري" أدواراً حاسمة رغم تمثيلها المحدود.
واليوم، يتمتع حزبا "موديم" و"الجمهوريون"، رغم حصول كل منهما على أقل من خمسين مقعداً ، بقدرة مماثلة مكّنتهما من إيصال بايرو إلى رئاسة الوزراء.
ويقول ميشال فيربو، أستاذ القانون الدستوري الفخري في جامعة باريس الأولى - بانتيون سوربون: "هذا يذكّرنا بالديناميات السياسية للجمهورية الرابعة".
ويواجه الاقتصاد الفرنسي ضغوطاً متزايدة نتيجة اختلال التوازن في المالية العامة، فضلاً عن أزمات خارجية تتوزع بين الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التوتر في الشرق الأوسط، وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وتذكر هذه المشهدية بالفترة التي واجهت فيها الجمهورية الرابعة تحديات إعادة الإعمار، وأزمات إنهاء الاستعمار، وبداية الحرب الباردة.
ويشير المؤرخ فريديريك فوكاتشي إلى أن دستور 1958 وُضع عمداً لتجنّب تكرار تلك الإخفاقات، من خلال آليات مثل المادة 49-3، التي تسمح للحكومة بتمرير القوانين دون تصويت، وإنشاء المجلس الدستوري للحدّ من هيمنة البرلمان.
وعلى خلاف النظام السابق، يتمتع رئيس الجمهورية في الجمهورية الخامسة بشرعية انتخابية مباشرة وصلاحيات دستورية واسعة.
ويوضح فيربو: "هذا الأمر غيّر المعادلة بالكامل"، مشيراً إلى صلاحيات حل البرلمان وتفعيل السلطات الاستثنائية بموجب المادتين 12 و16، وهو ما يميز الوضع الحالي عن رئاسات ضعيفة مثل تلك التي عرفتها الجمهورية الرابعة مع فينسنت أوريول ورينيه كوتي.
ورغم الاختلافات المؤسسية، لا تزال النخبة السياسية تشهد استمرارية ملحوظة.
وتقول رافليك-غرينويّو: "خلافاً للجمهورية الخامسة، لم تكن هناك تناوبات حادة بين اليمين واليسار في الرابعة، وكان نفس السياسيين يتنقّلون بين الحكومات".
ويستشهد بروبير شومان، الذي شغل منصب وزير الخارجية في 11 حكومة خلال أربع سنوات" حكومة بايرو الحالية تعكس بدورها هذه الاستمرارية، إذ تضم وجوهاً بارزة من العقد الماضي مثل مانويل فالس، فرانسوا ربسامن، كاترين فوتران وراشيدا داتي، في تركيبة تذكّر بجمهورية ما قبل 1958".
ورغم ما علق بها من سمعة سلبية، يرى بعض المؤرخين أن الجمهورية الرابعة قد تكون تعرّضت للشيطنة ظلماً، حيث شهدت انطلاقة الانتعاش الاقتصادي الفرنسي، مع تأسيس الحد الأدنى للأجور (SMIG)، وزيادة الإجازات المدفوعة، إلى جانب خطوات كبرى على الصعيد الأوروبي والدولي، كالمشاركة في بناء الاتحاد الأوروبي والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
ويعزو مراقبون نجاحات تلك المرحلة إلى صلابة الإدارة العليا للدولة، وثقافة التوافق السياسي.
ويقول فيربو: "كثرة الأحزاب فرضت ضرورة التفاوض والتسويات"، واليوم، مع وجود 11 كتلة سياسية ممثلة في الجمعية الوطنية – أكثر مما كان عليه الحال إبان الجمهورية الرابعة – تجد فرنسا نفسها مجبرة من جديد على العمل بمنطق التوافق.