مصادر طبية لـ"إرم نيوز": مقتل 25 فلسطينيًا جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر الخميس
احتجاجات دامية، تطبيقات محظورة، شوارع مشتعلة، هروب بالطائرات، اعتداءات بكافة الأشكال على المسؤولين وعلى الهواء مباشرة… هكذا دخلت نيبال في واحدة من أعنف الأزمات السياسية في جنوب آسيا خلال عام 2025،
لكن السؤال ليس: لماذا اندلعت المظاهرات وسقط رئيس الوزراء، بل هل تحولت كاتماندو إلى ساحة مواجهة بين الكبار؟
بدأت القصة بقرار حكومي يقضي بحظر تطبيقات التواصل الاجتماعي بدعوى “حماية الأمن القومي” القرار، الذي بدا إدارياً للوهلة الأولى، فجر موجة غضب عارم في صفوف الشباب سرعان ما تحولت إلى حركة احتجاج شبابية ضد الفساد وتبديد الثروات.
المواجهات مع قوات الأمن خلفت عشرات القتلى، وأجبرت رئيس الوزراء على الاستقالة، بينما طالت الاعتداءات وزراء آخرين منهم وزير المالية الذي أُلقي به في النهر بعدما هاجم المحتجون منزله..
مشاهد الفوضى من اقتحام المباني الرسمية، إلى إحراق الممتلكات العامة، وهروب مسؤولين خارج البلاد بدت شبيهة بما جرى في سريلانكا وبنغلاديش..
لكن خلف تلك الصور والمشاهد والدخان المتصاعد، تختبئ قصة أعمق تتعلق بالصراع على هوية نيبال وموقعها في خريطة النفوذ الدولي.
منذ بداية القرن 21، سعت الصين إلى توسيع نفوذها الاقتصادي في نيبال من خلال مشاريع بنية تحتية ضخمة، مثل الطرق وخطوط السكك الحديدية. وبرزت مبادرة “الحزام والطريق” كأداة رئيسة في هذا السياق. كما استثمرت بكين بشكل كبير في قطاعات الطاقة والسياحة والمشاريع التنموية.
في عهد رئيس الوزراء السابق كيه بي شارما أولي، ازداد التقارب مع الصين بشكل كبير حيث كانت رحلته الخارجية الأولى عام 2016 إلى بكين، وقع فيها اتفاقاً ضمن مبادرة الحزام والطريق، وفتح الباب أمام تمويلات بملايين الدولارات لمشاريع البنية التحتية، كما ضمنت الصين لنيبال المثقلة بالديون 41 مليون دولار كمساعدة مالية مباشرة.
بالنسبة لبكين، نيبال ليست مجرد جارة صغيرة، بل حلقة حيوية في تحجيم النفوذ الهندي وتعزيز حضورها في جنوب آسيا، تماماً كما فعلت في سريلانكا عبر السيطرة على ميناء “هامبانتوتا” هكذا يرى مراقبون.
واشنطن ومظلة "تحدي الألفية"
على الضفة الأخرى، وجدت أمريكا في نيبال ساحة اختبار جديدة لمواجهة النفوذ الصيني فأعادت إحياء اتفاقية "تحدي الألفية" (MCC)، وضخت عبرها 500 مليون دولار لتمويل تطوير شبكة الكهرباء وبناء طرق إستراتيجية بطول يقارب 300 كيلومتر.
لكن ما بدا على الورق دعماً اقتصادياً مباشراً، قرأته بكين كمحاولة لقطع الطريق على مشروع "الحزام والطريق" فتمرير الاتفاقية داخل البرلمان النيبالي عام 2022 لم يكن سلساً، إذ شهدت كاتماندو مظاهرات رافضة واتهامات للحكومة بأنها "تسلم البلاد للنفوذ الأمريكي" واعتبرت بعض الأحزاب اليسارية المشروع بمثابة اتفاقية تهدف إلى إدماج نيبال في إستراتيجية واشنطن الأوسع لمواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ولم تقتصر إشارات التوتر على الناحية الاقتصادية، فمشاركة رئيس الوزراء أولي في استعراض يوم النصر الصيني عام 2025 فسرتها جهات في واشنطن كدليل على انحياز نيبال المعلن لبكين، ومع سقوطه تحت ضغط الشارع، بدأت بعض التكهنات بالإشارة إلى دور أمريكي غير مباشر في تغذية الاحتجاجات، على غرار ما حدث في بنغلاديش عام 2024، ورغم غياب أدلة مباشرة على "هندسة" أمريكية للأحداث الأخيرة، فإن توقيت انفجارها مع تجدد الزخم لمشاريع الحزام والطريق عزز هذه الشكوك.
إلى جانب واشنطن وبكين، تبقى الهند اللاعب الأكثر حساسية تجاه أي تغير سياسي في نيبال، فالعلاقة بين البلدين تتجاوز الجغرافيا إلى التاريخ والثقافة، أكثر من 80% من تجارة نيبال الخارجية تمر عبر الموانئ الهندية، كما تعتمد كاتماندو على الطاقة المستوردة من نيودلهي في أوقات الأزمات.
الهند ترى في نيبال عمقاً استراتيجياً وخطاً أحمر أمام التغلغل الصيني شمالاً. لذلك، لم يكن غريباً أن تبدي نيودلهي قلقاً بالغاً من مشاريع "الحزام والطريق" في كاتماندو، ولم تتردد الهند في استخدام أدوات الضغط من قبل كما حدث في عام 2015 حين فرضت ما اعتبر حصاراً غير معلن على نيبال، مما أدى إلى نقص حاد في الوقود والمواد الأساسية كنوع من الضغط السياسي لدفع نيبال في اتجاهات معينة. هذا المثال يوضح كيف أن أي أزمة داخلية في نيبال سرعان ما تتحول إلى ملف إقليمي بامتياز.
ما يحدث في نيبال ليس مجرد احتجاج على تطبيقات محظورة، ولا مؤامرة أجنبية صافية هو مزيج من غضب شعبي، وانقسام داخلي عميق، وصراع خارجي على النفوذ.