logo
في العمق
فيديو

بعد إزاحة أمريكا.. كيف نجح التنين الصيني في "ابتلاع" القارة السمراء؟ (فيديو إرم)

28 يوليو 2025، 7:52 ص

في قلب القارة السمراء، تدور أشرس المعارك دون رصاصة واحدة، حيث لم تعد إفريقيا تلك الساحة التي تتحرك فيها واشنطن بحرية كما كانت في العقود الماضية، فاليوم، هناك لاعب شرس يزحف بثبات على الجغرافيا والاقتصاد والقرار السياسي، إنها الصين.

أخبار ذات علاقة

كيف تحول مهاجرو القارة السمراء إلى "أداة" للحوثيين؟ (فيديو إرم)

كيف تحول مهاجرو القارة السمراء إلى "أداة" للحوثيين؟ (فيديو إرم)

 من الموانئ إلى المناجم، ومن البنية التحتية إلى القواعد العسكرية، تتوسع بكين بهدوء، بينما تبدو أمريكا عاجزة عن مجاراة هذا الزخم، في العمق لهذا الأسبوع نسلط الضوء على واقع النراع في القارة السمراء وكيف وضعت الصين استثمارات إفريقيا نصب أعينها منذ سنوات، وبدأت تزاحم أمريكا على لعبة النفوذ.

ممر لوبيتو.. مشروع أمريكي على وشك السقوط

ممر لوبيتو، الذي أعلنت عنه إدارة بايدن عام 2022، يمثل حجر الأساس في خطط أمريكا لمنافسة النفوذ الصيني في إفريقيا، يهدف المشروع لربط مناجم النحاس في زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بميناء لوبيتو على الساحل الأنغولي، ما يمنح واشنطن حضورا حاسما في مجال المعادن الاستراتيجية.

لكن وفق تقرير صدر عام 2024 لموقع Semafor Africa الذي يُعنى في الشأن الاقتصادي الإفريقي، فإن إدارة بايدن كانت تفكر جديا بالتراجع عن تمويل المشروع، وسط صعوبات لوجستية ومخاوف من ضعف العائد الاستثماري مقارنة بمدى النفوذ الذي باتت الصين تمتلكه بإفريقيا، لكن إدارة ترامب الحالية أكدت مواصلة العمل، والدليل على ذلك الاستثمارات الجديدة البالغة 2.5 مليار دولار التي أٌعلن في منتدى الأعمال الأمريكي الإفريقي، الذي عُقد الشهر الماضي في لواندا، لكن ومع احتدام الصراع فما الذي يعنيه انسحاب أمريكا من المشروع؟

يشمل هذا المشروع بناء وتشغيل 22 محطة صوامع حبوب، وتوفير الطاقة الكهرومائية، وإنشاء خط نقل كهرباء بطول 1200 كيلومتر بين أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بتكلفة 1.5 مليار دولار، وتبلغ تكلفة المشروع كاملا وفق "فايننشال تايمز" 10 مليارات دولار، ستخسرهم أمريكا على الورق إذا ما انسحبت، بينما سيفرز انسحابها إن حدث تضاعفا في سيطرة الصين، وسيقلل من قدرة الغرب على المنافسة في سوق المعادن الاستراتيجية.

 الصين.. اللاعب الذي لا ينام

في الوقت الذي تراجعت فيه شهية الولايات المتحدة للاستثمار طويل الأمد في إفريقيا، لم تضيّع بكين وقتا، ومنذ إطلاق مبادرة "الحزام والطريق" عام 2013، وضعت الصين القارة الإفريقية على رأس أولوياتها الجيوسياسية والاقتصادية، معتبرة إياها "القارة المفتاحية" لمستقبل الأسواق والموارد.

تجاوز حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في إفريقيا 155 مليار دولار حتى عام 2024، تتوزع بين مختلف مشاريع البنى التحتية ضخمة، واليوم باتت الصين تمول أكثر من 63% من مشاريع البنى التحتية في إفريقيا، أما عن التبادل التجاري فبلغ بين الصين وإفريقيا في عام 2023 فقط نحو 282 مليار دولار، مقابل 47 مليار دولار فقط للولايات المتحدة، لتصبح الصين أكبر شريك تجاري للقارة، متجاوزة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معا.

ما يميز الصين عن الغرب ليس فقط حجم الأموال، بل أسلوب العمل، فبدلا من تقديم مساعدات مشروطة بالإصلاحات السياسية كما تفعل واشنطن، تعتمد بكين على مقايضة النفوذ مقابل البنية التحتية، أي ميناء مقابل عقد، سد مقابل اتفاقية، طريق مقابل امتيازات تعدين، وهكذا.

أخبار ذات علاقة

توقع مرعب.. القارة الأفريقية ستنقسم إلى شطرين (فيديو إرم)

توقع مرعب.. القارة الأفريقية ستنقسم إلى شطرين (فيديو إرم)

ومن هذه المشاريع مثلا، سكة حديد نيروب في كينيا، بكلفة 3.6 مليار دولار، وتديرها شركة صينية لمدة 15 عاما، وسد باهو في غينيا، مولته بكين مقابل عقود طويلة الأمد لاستخراج البوكسيت، وهو خام طبيعي يُستخرج منه معظم الألمنيوم، إضافة لسد النهضة في إثيوبيا بتمويل جزئي صيني، واستثمارات في 33 ميناء إفريقيا آخر.

وفي الكونغو الديمقراطية أيضا، التي تملك أكثر من 60% من احتياطي العالم من الكوبالت، تسيطر شركات صينية مثل China Molybdenum وZijin Mining على أبرز المناجم، مستفيدة من اتفاقيات ثنائية تعود إلى عقدين، في حين فشلت الشركات الأمريكية في تأمين حصص مماثلة.

 تآكل النفوذ الأمريكي.. لماذا؟

تراجعت حصة واشنطن من التجارة الإفريقية من 13% عام 2008 إلى أقل من 5% في 2023، بينما ارتفعت حصة الصين إلى أكثر من 25%.

بعد حرب أوكرانيا، قلصت واشنطن الموارد الاقتصادية المخصصة لإفريقيا لصالح جبهات أخرى، فانخفض التفاعل الاستراتيجي الأمريكي مع العواصم الإفريقية لصالح حضور صيني أكثر توسعا، لكن هذا ليس سببا كافيا، بل إن غياب الاستراتيجية الاقتصادية المتماسكة كانت السبب الأهم.

على عكس الصين التي تقدم حزما تمويلية طويلة الأجل موجهة للبنية التحتية، تركزت المقاربات الأمريكية على عقود قصيرة ومشاريع مستعجلة في إفريقيا، وبينما يُنظر إلى الصين على أنها "بانية"، يُنظر إلى أمريكا على أنها "مستثمر مؤقت"، الأمر الذي جعل واشنطن تخسر حربها مع بكين في إفريقيا مؤخرا عسكريا ،استخباراتيا وحتى تكنولوجيا، وإن طرد القوات الأمريكية من النيجر في 2024، وفقدان قواعد مهمة في منطقة الساحل مثل قاعدة "أغاديز 201" ، سمح على سبيل المثال للصين وروسيا بتوسيع نفوذهما، واستفادت الصين من ذلك بزيادة استثماراتها في الدول التي انسحبت منها واشنطن.

تكنولوجيا مثلا، فإنه وفي الوقت الذي فرضت فيه واشنطن قيودا على نقل التكنولوجيا إلى إفريقيا، دخلت شركات مثل Huawei وZTE بعمق في بناء شبكات الاتصالات في أكثر من 30 دولة إفريقية، ووفقًا لتقرير The Economist، فإن 70% من البنية التحتية الرقمية في إفريقيا اليوم تعتمد على الشركات الصينية. 

بين مشاريع معلقة ونفوذ يتآكل، تقف أمريكا أمام مفترق طرق في إفريقيا، التخلي عن مشروع مثل ممر لوبيتو لن يكون مجرد فشل استثماري، بل رسالة إلى بكين مفادها، "الملعب لكم"، فهل تعود واشنطن وتخوض المعركة حتى النهاية؟ أم أن القارة السمراء باتت فعلا صينية اللون والملامح.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC