ملخص
طالب شيخ عقل الطائفة الدرزية، حكمت الهجري بفتح ممرات باتجاه مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بعد معارك قاسية خاضتها ميليشيات محلية في السويداء وجهاً لوجه مع البدو في المحافظة. وتفاقم الأمر واتسع مع وصول الآلاف من مقاتلي العشائر غداة غارات إسرائيلية شنت على مواقع في السويداء والعاصمة دمشق.
بهدوء حذر تلملم مدينة السويداء الجنوبية في سوريا أشلاء أبنائها، وتضمد جروح أثخنتها رصاصات الفتنة على مدى أكثر من أسبوعين من المعارك الدائرة في محيطها التي شهدت اتفاقاً لوقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ.
وساد قرار وقف الحرب في المدينة التي أعلنها ناشطون "منكوبة" مع فقدانها مقومات الحياة وغياب الخدمات الصحية. وتقول الناشطة الحقوقية، رفا أبو صعب إن "الوضع كارثي، والحياة في المدينة شبه معدمة، لقد أسهم أهلي بكمية من مادة المازوت المخزنة لديهم بالبيت لتشغيل مخبز الحي الذي نقطن به".
ومع ذلك تتواصل قوافل إجلاء المدنيين من ريفي السويداء الشمالي والغربي إلى درعا القريبة. وخرجت أخيراً ست حافلات تقل 500 شخص من أبناء عشائر البدو، في ظل حال احتقان وتوتر طائفي بين مجموعات مسلحة تتبع للطائفة الدرزية وأخرى تابعة للعشائر العربية انتهت إلى هدنة.
فتح الممرات
وكان شيخ عقل الطائفة الدرزية حكمت الهجري طالب بفتح ممرات باتجاه مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بعد معارك قاسية خاضتها ميليشيات محلية في السويداء وجهاً لوجه مع البدو في المحافظة. وتفاقم الأمر واتسع مع وصول الآلاف من مقاتلي العشائر غداة غارات إسرائيلية شنت على مواقع في السويداء والعاصمة دمشق، وفي حال ظلت كل الطرق مغلقة فإن هذه المطالبة يمكن أن تنفذ لأسباب سياسية وأمنية وعسكرية.
وكان الشيخ الهجري طالب في بيان له في الـ17 من يوليو (تموز) الجاري بـ"فتح طريق باتجاه الأخوة الأكراد ونتوجه إلى جلالة الملك عبدالله الثاني في المملكة الأردنية الهاشمية التوجيه لفتح معبر حدودي بين السويداء والأردن لما لهذه الطرق من أهمية إنسانية في هذه اللحظات الحرجة، ونأمل اتخاذ خطوات عاجلة تسهل التواصل وتخفف من معاناة المواطنين".
من جانبه جزم الناطق الرسمي باسم "حركة رجال الكرامة"، باسم أبو فخر لـ"اندبندنت عربية" بأن "أهالي السويداء افتقدوا شريكاً وطنياً حقيقياً يحفظ الدماء والممتلكات، ويحاول الإبقاء على المدينة كجزء من النسيج السوري"، في إشارة إلى السلطة الجديدة في دمشق. وتصرف هذا الطرف حسب قول أبو فخر "برعونة" و"نسف كل المساعي الوطنية، وارتكب المجازر والجرائم". وأضاف "نحن الآن مقاتلون ندافع عن وجودنا ولسنا طرفاً في المفاوضات، هناك لعبة دولية قذرة وقودها الأبرياء، ونحن براء منها، وكل ما يهمنا هو إعادة القرى لأهلها وإحقاق الأمن والأمان".
أنقرة ودمشق... والهجري
في الوقت ذاته التقطت أنقرة ودمشق إشارات الشيخ الهجري، وتعويله على فتح ممر يصل إلى مناطق "قسد" في الشمال الشرقي بكثير من الاهتمام، لا سيما تركيا الحريصة على حدودها الجنوبية والساعية إلى وأد المشروع الانفصالي من الجانب الكردي بالتوازي مع تدهور مسار التطبيع بين دمشق وتل أبيب بسبب أحداث السويداء الأخيرة.
في هذا التوقيت سارعت دمشق إلى الطلب من تركيا تعزيز قدراتها الدفاعية، وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان، إنه "استجابة لطلب الحكومة السورية نواصل تقديم التدريب والاستشارات، والدعم الفني لتعزيز القدرة الدفاعية لسوريا".
ولفت الباحث التركي في "مركز تركيا الجديدة للبحوث"، علي أسمر إلى "تزايد التحذيرات في الأوساط السياسية والأمنية التركية من مشروع يعرف باسم ’ممر داوود‘، وهو مخطط يتم الترويج له منذ أشهر تحت ذرائع إنسانية، بينما تجمع التقديرات التركية والسورية على أنه يشكل تهديداً مباشراً لوحدة الأراضي السورية وللأمن القومي التركي على حد سواء".
وأردف "هذا الممر، الذي يفترض أن يربط جنوب سوريا، وتحديداً مناطق السويداء ودرعا، بشمال شرقي البلاد، مروراً بمناطق ذات حضور درزي وكردي، يعتبر في جوهره مشروعاً جغرافياً أمنياً يهدف إلى إنشاء شريط نفوذ يمتد من الحدود الأردنية إلى شرق الفرات، بطريقة تمنح إسرائيل منفذاً غير مباشر إلى شمال سوريا، بل وتضعها جغرافياً على تماس سياسي وأمني مع الحدود التركية من الجنوب. إنه مشروع تقسيمي مغلف بشعارات حماية الأقليات، لكنه في الواقع محاولة لفرض أمر واقع يخدم مصالح تل أبيب وبعض المجموعات الانفصالية".
ويعتقد أسمر بأن "بعض الشخصيات المرتبطة بالخارج، مثل الشيخ حكمت الهجري ومحيطه تحاول تسويق هذا الممر بذريعة تقديم الحماية للمكونات الدينية، وعلى رأسها الدروز، إلا أن هذه الحجج لا تقنع تركيا ولا تمر على أنقرة، التي تعتبر هذا الممر مشروعاً صريحاً لإضعاف الدولة السورية وتقويض الاستقرار في المنطقة، فكل محاولة لإقامة ممرات بديلة عن الدولة المركزية، سواء كانت عبر قوات سوريا الديمقراطية أو عبر مجموعات انفصالية درزية أو كردية، ستؤدي إلى تفتيت البنية الوطنية السورية وتعريض الأمن التركي لأخطار استراتيجية".
ممر آمن للمساعدات
في المقابل، يرى الباحث في مركز راصد لحقوق الإنسان الكردية، جوان اليوسف أن "مطالبة الهجري بفتح ممر آمن للمساعدات لا طابع سياسياً له، وليس من المفيد تحميله أكثر مما يحتمل، والآن بعدما دخلت الهدنة حيز التنفيذ يفترض أن يعود طريق دمشق وهو الأقرب والأكثر إفادة للسكان المحليين للتزود بأسباب الحياة".
ويرى اليوسف أن "طريق الصحراء الذي يربط السويداء ومناطق شرق سوريا بالضرورة يمر بالمناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية بصورة خاصة بادية حمص، وإذا لم تؤمنه السلطة في دمشق يصبح الأمر غير عملي ولن يفيد. أتمنى أن تستمر الهدنة وتعود الحياة لطبيعتها وتنتهي الأزمة الوطنية في سوريا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصريحات براك
في الموازاة دعا المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك الرئيس السوري، أحمد الشرع إلى تقويم سياساته، وتبني نهج أكثر شمولاً. وقال إنه نصح الشرع بمعاودة النظر في تكوين الجيش الجديد، وتقليص نفوذ المتشددين وطلب المساعدة الأمنية الإقليمية. وأكد براك في مقابلة بثتها وكالة "رويترز" على أنه "من دون تغيير سريع يخاطر الشرع بفقدان القوة الدافعة التي أتت به ذات مرة إلى السلطة".
وتأتي هذه التطورات في وقت تتسع رقعة المعارك الطائفية بين السلطة، ومجموعات تتبع للطائفة الدرزية، سبقها في مارس (آذار) الماضي معارك مع مجموعات موالية للسلطة ومجموعات مسلحة ذات غالبية من العلويين في الساحل السوري.
ولعل لجنة تقصي الحقائق وجدت نفسها أمام شبكة معقدة من الانتهاكات والمخططات، بحسب ما وصف المتحدث باسمها، ياسر فرحان، بعدما كشفت التحقيقات عن عشوائية وسلوكيات متباينة خلال أحداث الساحل أفضت إلى سقوط 1426 شخصاً وفقدان 20، مما يرجح حسب متخصصين في الشأن السوري، تأجيل المعركة في مناطق قوات "قسد" بحال لم تندمج مع الجيش السوري الجديد، إلى ما بعد حسم المعركة في السويداء.
في غضون ذلك تشكك أوساط مراقبة بدوافع الشيخ الهجري إلى المطالبة بفتح طريق إلى مناطق "قسد" أي إلى مناطق ضفاف الفرات، حيث يتطابق مع ما طرحته تل أبيب من مشروع "ممر داوود" الذي تسعى إلى تنفيذه عبر ربط مرتفعات الجولان مروراً بالقنيطرة والسويداء ودير الزور بشمال شرقي سوريا، مما يوفر لها نفوذاً أمنياً وعسكرياً وسياسياً واسعاً، وتغلغلاً إضافياً في الجغرافيا السورية.
ويجزم الباحث التركي علي أسمر بأن "أنقرة تدرك أن هذا المشروع لا يمكن أن يقوم من دون دعم لوجيستي وتنسيق بين قوى دولية وإقليمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، ولذلك تتحرك على أكثر من مسار لإجهاضه، فمن جهة، هناك توافق تركي - أميركي، تم تأكيده في الأسابيع الماضية، على ضرورة دمج ’قسد‘ ضمن هياكل الحكومة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، وحصر السلاح بيد الدولة وبسط سلطتها على كامل التراب السوري، ومن جهة أخرى فإن تركيا تنسق مع العشائر العربية في دير الزور والرقة والحسكة، بهدف منع أي مشروع يمر عبر أراضيهم ويهدد النسيج الوطني". وأضاف أن "فتح ما يسمى ’ممر داوود‘ لن يؤدي فقط إلى تشجيع النزعات الانفصالية في صفوف بعض الأكراد والدروز، بل سيشكل أيضاً منصة لتوسيع التنسيق بين إسرائيل وهذه المكونات، في إطار تحالفات تبنى على حساب سيادة الدولة السورية، وهو ما تعتبره دمشق وأنقرة معاً خطاً أحمر لا يمكن القبول به".
وعلى رغم تمسك تركيا بالمسار السياسي ودعمها استقرار سوريا من خلال الدولة المركزية، فإن الخيار العسكري يبقى حاضراً على الطاولة، ويعتقد الباحث الأسمر أنه "في حال رصدت تحركات فعلية لفرض هذا الممر، قد تقدم تركيا على تنفيذ عمليات جوية نوعية تستهدف البنية التحتية لهذا المشروع". ويضيف "بل ومن المحتمل أن نشهد تحركات عسكرية من جانب مكونات محلية متحالفة مع دمشق وأنقرة على طول هذا الطريق، بدعم تركي مباشر، وقد تتطور الأمور إلى عملية عسكرية محدودة في حال اقتضت الضرورة، كما حدث في عمليتي درع الفرات ونبع السلام".