ملخص
حذرت تقارير من مجاعة وشيكة تواجه مدينتي الدلنج وكادوقلي في ولاية جنوب كردفان في ظل الحصار الذي تفرضه "الدعم السريع" والحركة الشعبية، وإغلاق الطريق الرئيس الذي تستخدمه الشاحنات للانتقال بين شمال وجنوب كردفان. وأشار مواطنون إلى أن الناس في مدينة الدلنج يقفون في طوابير للحصول على حبوب الذرة، نصفهم يعود بأيادٍ فارغة، بسبب نفاد الكميات المخصصة من وكالات حكومية وجهات طوعية للمساعدات الإنسانية.
شهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور أمس الإثنين اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" تركزت في المحور الجنوبي الغربي، وسُمعت أصوات انفجارات قوية. وأشارت مصادر عسكرية إلى أن الجيش قصف بصورة مكثفة بالمدفعية الثقيلة تجمعات "الدعم السريع" في الجزء الشرقي والجنوبي من المدينة، بينما قصفت الأخيرة بواسطة مسيراتها مقر الفرقة السادسة - مشاة التابعة للجيش بالفاشر، فضلاً عن الأحياء السكنية الواقعة في الجهة الشمالية للمدينة.
في الأثناء طالب حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بضرورة التحرك العاجل لإنقاذ الأوضاع في الفاشر، منتقداً برودة الدولة في التعامل مع الأوضاع في هذه المدينة المحاصرة منذ أكثر من عام، وأضاف مناوي في تصريحات صحافية "يجب أن ندفع بالروح نفسها والقوى ذاتها لتي أخرجت 'الدعم السريع' من ولايتي الجزيرة والخرطوم لتحرير كل شبر من الأرض". واتهم حاكم دارفور "الدعم السريع" بارتكاب إبادة جماعية في الفاشر، جراء الحصار الذي تفرضه، ومنع دخول الإغاثة والمساعدات، وتدمير المؤسسات، بخاصة المستشفيات، منوهاً إلى أنها تقتل الذين يفرون من الفاشر بدواعٍ عنصرية وقبلية.
موت وجوع
من جانبها اشتكت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر من انعدام الطعام في المنازل والأسواق بالمدينة، مؤكدة في بيان أن الموت والجوع يحاصران السكان من كل الجوانب في ظل انهيار كامل للخدمات، مطالبة الخيرين والمنظمات الإنسانية بالتدخل ودعم المطابخ التكافلية (التكايا)، إلى جانب توفير الغذاء والدواء وفتح الممرات الإنسانية لإيصالها. في وقت قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إنه "وسع التحويلات النقدية إلى سكان الفاشر، إذ لا يزال يوجد في المدينة 300 ألف مدني محاصرين"، وبين البرنامج أنه قدم تحويلات نقدية إلى 256 ألف شخص في الفاشر في يونيو (حزيران)، مشيراً إلى أنه وضع مخزونات غذائية مسبقة التموضع لإيصالها إلى المدينة على رغم استمرار القيود.
وتنشر "الدعم السريع" مئات المقاتلين في الطرق المؤدية إلى العاصمة التاريخية لإقليم دارفور الفاشر، لمنع وصول السلع والإغاثة والأدوية إلى المدينة التي شيدت حولها خنادق عميقة لتشديد الحصار المفروض عليها منذ أبريل (نيسان) 2024.
ويعاني إقليم دارفور الذي يخضع معظم مناطقه لسيطرة "الدعم السريع" أزمة إنسانية مروعة، إذ أظهرت بيانات نشرت في الـ12 من يوليو (تموز) الجاري ارتفاع نسبة الأطفال الذين يتلقون العلاج من سوء التغذية الحاد إلى 46 في المئة. وتجاوزت نسبة سوء التغذية الحاد المستويات الحرجة التي حددتها منظمة الصحة العالمية في تسع من أصل 13 محلية في دارفور، مما يعني أن الإقليم على شفا كارثة في حال عدم تداركها بسرعة.
غارات مكثفة
في محور كردفان شن الطيران الحربي التابع للجيش غارات جوية مكثفة استهدفت عدداً من تمركزات وتجمعات "الدعم السريع" بولايات كردفان الثلاث جنوب وشمال وغرب، ووفقاً لمصادر عسكرية فإن طيران الجيش هاجم المناطق الشرقية لمدينة بارا بولاية شمال كردفان، مما ألحق خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. كما قتل ما لا يقل عن 40 مدنياً، وأصيب العشرات، في غارة شنتها طائرة مسيرة استهدفت قرية الدبكر على بعد 30 كيلومتراً شرق مدينة أبو زبد بولاية غرب كردفان.
وفي موازاة ذلك دفع الجيش بتعزيزات عسكرية ضخمة باتجاه إقليم كردفان شملت آليات مجنزرة ومدفعية ميدانية وناقلات جند مدرعة، مما يشير إلى أن الأيام المقبلة ستشهد معارك ضارية في هذا الإقليم. وتأتي هذه التعزيزات، بحسب المصادر العسكرية، ضمن خطة منسقة لإعادة السيطرة الكاملة على محاور حيوية في ولايات كردفان الثلاث.
مجاعة ونزوح
في غضون ذلك شهدت المنطقة الواقعة بين مدينتي النهود بولاية غرب كردفان والأبيض بولاية شمال كردفان أوضاعاً إنسانية قاسية مع تفاقم معاناة آلاف النازحين الفارين من المعارك وسيطرة "الدعم السريع" على المنطقة. وأكد ناشطون أن نحو 95 في المئة من سكان مدينة النهود نزحوا إلى القرى المجاورة، التي تعاني غياباً تاماً لأبسط مقومات الحياة، لافتين إلى تفشي الجوع وانعدام الرعاية الصحية. وأشاروا إلى أنه في حال عدم امتلاك الشخص مالاً فسيكون مصيره الموت جوعاً أو مرضاً في وقت أصبحت فيه المراكز الصحية في تلك المناطق خالية تماماً من الأدوية والخدمات الطبية، وتكاد المواد الغذائية أن تكون معدومة، وإن وُجدت فهي تباع بأسعار باهظة.
في المحور نفسه حذرت تقارير من مجاعة وشيكة تواجه مدينتي الدلنج وكادوقلي في ولاية جنوب كردفان في ظل الحصار الذي تفرضه "الدعم السريع" والحركة الشعبية وإغلاق الطريق الرئيس الذي تستخدمه الشاحنات للانتقال بين شمال وجنوب كردفان. وأشار مواطنون إلى أن الناس في مدينة الدلنج يقفون في طوابير للحصول على حبوب الذرة، نصفهم يعود بأيادٍ فارغة، بسبب نفاد الكميات المخصصة من وكالات حكومية وجهات طوعية للمساعدات الإنسانية، نتيجة نفاد السلع من الأسواق جراء الحصار. وفي نهاية يونيو الماضي أعلن الجيش السيطرة على طريق يربط بين الدلنج وكادوقلي، ومع ذلك لم تستمر العمليات العسكرية لضمان بقاء الطريق الرئيس الرابط مع شمال كردفان متاحاً أمام حركة القوافل الإنسانية والتجارية. وأقرت وكالات الأمم المتحدة خلال هذا الشهر بصعوبة الحصول على الممرات الآمنة لنقل المساعدات إلى المدنيين في مدن الفولة والدبيبات والخوي وكادوقلي والدلنج وعشرات القرى في ولايات شمال وجنوب وغرب كردفان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انخفاض المساعدات
إنسانياً أشار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى أنه قدم مساعدات إلى 3.6 مليون شخص خلال يونيو بينهم 1.6 مليون فرد في مناطق المجاعة أو المعرضة لها، مقارنة بـ5.1 مليون شخص تم الوصول إليهم في مايو (أيار) الماضي. وأكد البرنامج أنه ساعد 1.6 مليون شخص في إقليم دارفور، و695 ألف فرد في الخرطوم والجزيرة، و175 ألف شخص في ولايات كردفان، فيما البقية في سائر مناطق السودان.
وأرجع البرنامج تدني الوصول الإنساني في يونيو إلى تقليص خطط التوزيع بسبب نقص التمويل وانخفاض تصاريح مفوضية العون الإنساني وتصاعد النزاع في كردفان وبداية هطول الأمطار ما حد من القدرة التشغيلية، ونوه إلى أنه قدم دعماً غذائياً لتجنب وعلاج سوء التغذية لقرابة 236 ألف شخص، ووجبات مدرسية لنحو 11 ألف طالب. ولفت إلى أنه يسعى إلى معالجة قيود الوصول وتأخير تصاريح التخليص الجمركي للسلع مع السلطات والشركاء.
ويحاول برنامج الأغذية العالمي استقطاب تمويل يصل إلى 646 مليون دولار لاستمرار تقديم الحاجات الإنسانية في السودان خلال الفترة من أغسطس (آب) إلى يناير (كانون الثاني) المقبل. ويحتاج 30.4 مليون سوداني ما يمثل 64 في المئة من السكان نصفهم من الأطفال إلى مساعدات إنسانية هذا العام، إذ كانت الأمم المتحدة تخطط لمساعدة قرابة 21 مليوناً منهم قبل أن تقلص العدد إلى 17.3 مليون شخص بسبب نقص التمويل.
إنهاء مهام البعثة الدولية
في هذا الوقت أبلع وزير العدل السوداني عبدالله محمد درف المتخصص الأممي المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر برغبة حكومة بلاده في إنهاء مهام البعثة الدولية لتقصي الحقائق في السودان، مشيراً إلى أن الحكومة السودانية تمتلك آليات متعددة لحماية المدنيين وضمان حقوق الإنسان. وتابع درف "طالبنا المتخصص المعني بحال حقوق الإنسان بضرورة الاعتماد على مصادر محايدة وموثوقة لضمان دقة المعلومات وتعزيز التعاون بين السودان والجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان"، وقال أيضاً "أكدنا للخبير أن أي تقارير أو بيانات يجب أن تستند إلى معلومات دقيقة ومفصلة، بخاصة في ما يتعلق بالمحاكمات، واعتبرنا أن الحديث المفتوح من دون تفاصيل كافية أمر غير مقبول". وبين أن الحكومة السودانية كانت تأمل في أن تقدم الأمم المتحدة دعماً حقيقياً لإعادة إعمار ما دمرته "الدعم السريع"، لكنها اكتفت بتقديم 16 في المئة فحسب، بينما تكفلت الحكومة والشعب السوداني بالباقي. ودعا وزير العدل السوداني الأمم المتحدة إلى إدانة الدول التي تنتهك المواثيق الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين السودانيين، مشدداً على ضرورة توفير الحماية لهم من الاعتداءات المتكررة التي يتعرضون لها في الدول المستضيفة.
وكان المتخصص الأممي وصل إلى السودان الأحد الماضي، وبدأ على الفور سلسلة لقاءات مع المسؤولين شملت وزارة الخارجية.