ملخص
تواصلت العمليات العسكرية بين الجيش و"الدعم السريع" في المحور الجنوبي الغربي لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إذ تبادل الطرفان القصف المدفعي بينهما ساعات عدة، فضلاً عن تحليق المسيرات الاستطلاعية.
في وقت تشهد فيه المعارك التي تدور بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ أكثر من شهرين في ولايات كردفان الثلاث شمال وجنوب وغرب قتالاً شرساً دخلت المسيرات بقوة كسلاح رئيس في المواجهات المحتدمة بين الطرفين. وبحسب مصادر عسكرية فإن طيران الجيش شن أمس الجمعة غارات عدة على مواقع وتجمعات "الدعم السريع" في مناطق الخوي وأبو زبد والنهود بولايتي غرب كردفان وشمالها تعد الأعنف من نوعها، وأسفرت عن تدمير عدد من المركبات القتالية وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى في صفوف تلك القوات.
وشهدت مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان التي يسيطر عليها الجيش تبادلاً للقصف المدفعي بين الجانبين.
وأشارت المصادر العسكرية إلى أن سيطرة "الدعم السريع" الأربعاء على بلدة أم صميمة وما حولها قد يؤدي إلى تضييق الخناق على الأبيض مجدداً. ومن المعلوم أن سيطرة أي طرف على إقليم كردفان تعني تأمين الطريق إلى دارفور، لذلك يستميت الطرفان في القتال على هذا المحور، بالتالي من المتوقع استمرار المعارك في كردفان وقتاً أطول.
وتسعى "الدعم السريع" منذ الأيام الأولى للحرب إلى السيطرة على مدينة الأبيض، إذ قادت معارك عنيفة مع الجيش في محيط هذه المدينة ذات الموقع الاستراتيجي الرابط بين إقليمي دارفور وولاية النيل الأبيض في أواسط السودان، لكن من دون جدوى في ظل استماتة الجيش بالدفاع عنها.
جهد مضاعف
في الأثناء نوه الباحث في الشؤون العسكرية اللواء معتصم عبدالقادر "إلى أن طبيعة مناطق كردفان السهلية الممتدة تجعل المواجهات سهلة ومعقدة في الوقت نفسه ما يجعل تقلب مسرح العمليات أمراً طبيعياً"، وبين عبدالقادر أن المناطق المكشوفة الممتدة مثل كردفان تجعل حركة القوات سلسة بعكس الحرب داخل المدن وسط المباني العالية، "لكنها تحتاج إلى قوة بشرية وآليات أكثر، مما يتطلب جهداً مضاعفاً لتحريرها وتأمينها مقارنة بالعمليات التي جرت وسط السودان"، وأوضح الباحث في الشؤون العسكرية أن "الدعم السريع" قامت بتجديد مقاتليها على نطاق واسع في كردفان، مما يتطلب عمليات استخباراتية نوعية تسبق المعارك التقليدية، لكن مع ذلك فإن العمليات في كردفان ودارفور لن تستغرق وقتاً طويلاً، على حد قوله.
نداء إنساني
في المحور نفسه أطلق ناشطون نداءات وتحذيرات من وقوع كارثة إنسانية وشيكة في مدينة الدلنج، إحدى المدن الرئيسة في ولاية جنوب كردفان، مؤكدين أن الوضع هناك خرج تماماً عن السيطرة، وقال الناشطون "الأوضاع في هذه المدينة بلغت حداً لا يمكن السكوت عنه، إذ إن آلاف المواطنين يتضورون جوعاً وينامون على الطوى (الجوع) ويستفيقون على صرخات البطون الخاوية، لكن المؤسف أن المشهد الأكثر خذلاناً هو صمت الدولة والمجتمع، وكأن أهل الدلنج ليسوا جزءاً من هذا الوطن". وتابعوا "أطفال المدينة لم يعودوا يملأون الشوارع بالضحك واللعب، بل صاروا يهيمون في الأسواق بحثاً عن حبات السمسم المتساقطة من الشاحنات، فالجوع تركهم لمصير لا يرحم"، ونوه الناشطون بأن الأسواق في المدينة شبه خالية من المواد الغذائية، وأن ما تبقى يباع في طوابير طويلة تزداد كل يوم، بينما الأسعار تقفز فوق قدرة أي مواطن، في المقابل تجد البيوت فارغة، والأمل يحتضر، والناس يعيشون على شفا هاوية الموت، إن لم يتحرك أحد الآن، فإن الدلنج لن تصمد ثلاثة أيام أخرى.
تبادل القصف
أما في محور دارفور فقد تواصلت العمليات العسكرية بين الجيش و"الدعم السريع" في المحور الجنوبي الغربي لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إذ تبادل الطرفان القصف المدفعي بينهما ساعات عدة، فضلاً عن تحليق المسيرات الاستطلاعية. وتسبب القتال المتواصل، فضلاً عن الحصار الذي تفرضه "الدعم السريع" على هذه المدينة، في أزمة إنسانية خانقة، إذ اختفت السلع المهمة من المحال التجارية، بما في ذلك السكر والبصل والرز والملح والعدس، وسط تناقص حاد في مخزون الدخن والذرة الرفيعة والأدوية، كما توقفت المطابخ المجانية التي تقدم وجبة غذائية لآلاف الجوعى بعد نفاد كل المخزون الغذائي، إذ تعد الفاشر من أكبر مراكز الإيواء وتجمعات النازحين في البلاد.
من جهته دعا والي شمال دارفور التابع للجيش الحافظ بخيت سكان الفاشر إلى عدم مغادرة المدينة متعهداً توفير بعض المساعدات المحلية من خلال "التكايا" على رغم الأزمة المعيشية الخانقة وتزايد مؤشرات المجاعة. وبين بخيت أن المناطق، حيث ينقل النازحون والخاضعة لسيطرة كل من قوات الهادي إدريس حاكم دارفور في تحالف "تأسيس"، و"حركة تحرير السودان" بقيادة عبدالواحد نور مناطق غير آمنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فك الحصار
إلى ذلك أشار تحالف القوى المدنية الديمقراطية "صمود" بقيادة رئيس وزراء السودان السابق عبدالله حمدوك إلى أن استمرار الحرب والحصار على كل من ولايات شمال دارفور ومدينة الفاشر وما حولها وجنوب وغرب كردفان، تسبب في كارثة حقيقية. وقال التحالف في بيان "الجوع وانتشار الأمراض يهددان حياة آلاف المواطنين في هذه الولايات ومدنها، إذ يمارس الطرفان المتحاربان سياسة التجويع كسلاح لفرض الهيمنة"، واتهم البيان طرفي الحرب بالتعنت المستمر والمخالف لكل القوانين والأعراف الدولية، غير مكترثين بمعاناة مئات المواطنين، بمنعهم مرور المساعدات وفرض رسوم في معابر وحدود تلك المناطق، مما أدى إلى انعدام الغذاء والدواء وزيادة المعاناة وانتشار الامراض مثل الكوليرا وغيرها من الأوبئة المؤدية إلى فقدان الحياة. ونوه البيان بأن استمرار تعنت ورفض أطراف الحرب السماح بمرور المساعدات ودخول المنظمات الإنسانية ينذر بمجاعة قد تؤدي إلى موت آلاف المدنيين، ورأى البيان أن إيقاف هذه الحرب هو السبيل الوحيد للحفاظ على أرواح السودانيين، مناشداً الفاعلين في المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الضغط على أطراف الحرب بصورة عاجلة وجادة من أجل إيقاف الحرب واحترام حقوق المدنيين المنصوص عليها في القوانين والمواثيق الدولية. وطالب تحالف "صمود" بفك الحصار عن المدن المحاصرة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والدواء والغذاء وإنقاذ المدنيين وتركيز الجهود وتسليط الضوء على معاناة ضحايا الحرب من المدنيين ولفت انتباه العالم إلى هذه الكارثة المتزايدة قبل فوات الأوان.
تراجع الجنيه
اقتصادياً واصل الجنيه السوداني تراجعه أمام العملات الأجنبية، مما تسبب في ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق، مما زاد من معاناة المواطنين الذين فقدوا مصادر دخلهم نتيجة اندلاع الحرب لأكثر من 27 شهراً. وبلغ سعر الدولار الواحد 3 آلاف جنيه، بينما كان يعادل 570 جنيهاً قبل اندلاعها، وأرجع اقتصاديون هذا الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه السوداني إلى زيادة الطلب على العملات الأجنبية، بخاصة الدولار، في ظل ندرة في المعروض منها، فضلاً عن تراجع الإنتاج وغياب الصادرات، إضافة إلى استمرار الحرب. في حين رأى متعامل في السوق الموازية أن عدم استقرار قيمة الجنيه، والحملات الأمنية المكثفة، دفعت كثيرين من التجار إلى التوقف عن العمل لتجنب الخسائر، بخاصة أن معظم السودانيين يفضلون التعامل بالعملات الأجنبية بسبب ضعف الطلب على الجنيه. وانتقل نشاط السوق الموازية من العاصمة الخرطوم إلى مدينة بورتسودان التي أصبحت العاصمة الإدارية، وقد أدى انخفاض قيمة الجنيه إلى زيادة معاناة المواطنين، لا سيما بعدما فقد معظمهم مصادر دخلهم الأساسية.
وشنت السلطات في بورتسودان حملات على تجار العملة وألقت القبض على عدد منهم في محاولة لكبح جماح الدولار، وأدى هذا الإجراء إلى انخفاض موقت في أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، إلا أن هذا الانخفاض لم يستمر طويلاً، وسرعان ما عاود الدولار ارتفاعه مجدداً.
وكان البنك الدولي كشف في آخر تقاريره عن انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة إضافية بلغت 13.5 في المئة خلال عام 2024، بعدما تقلص بنحو الثلث عام 2023، وتوقع التقرير أن تصل نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 71 في المئة في ظل استمرار النزاع.