مشاركة
"انزحوا إلى جنوب وادي غزة" جملة يرددها الاحتلال وقادته على مدار 47 يومًا، منذ بدء حرب السابع من أكتوبر، لأهالي قطاع غزة ممن يقيمون بمناطق الشمال والوسط، باعتبار أنّ الجنوب هو الأمان الوحيد لهم، وعدم خروجهم نحوه يعني الموت لا محالة.

البعض من العائلات قرر الانصياع خوفًا على صغارها، فخرجت متجهة نحو الوجهة الآمنة التي سردها الاحتلال لهم، لم يخالفوا معايير الأمان التي وضعها، وفور أن وطأت أقدامهم وادي غزة، شعروا أن الخطر بات بعيدًا عنهم، لم يدركوا أن التاريخ شاهدًا على خيانة هذا المحتل لمواثيقه، فاستهدفهم بطائراته وصواريخه بمناطق الجنوب وعلى طرقاته، لتنضم تلك العائلات إلى ذويها من الشهداء ممن رفضوا الخروج نحو الأمان.

وفي الـ18 من أكتوبر حثّ الجيش، سكان الشمال من جديد على الانتقال إلى ما سمّاه منطقة إنسانية في المواصي، على ساحل جنوب غزة، وجدد الاحتلال تحذيراته في الـ22 من أكتوبر مرفقة بمنشورات ألقتها طائراته على المواطنين، قائلة: " إن أي شخص يقيم في الشمال يمكن وصفه متعاطفاً مع حماس إذا لم يغادر".

وفي الثالث عشر من أكتوبر ومع شدة القصف على مناطق شمال غزة، وتحديدًا الحي الذي يعيش به الشاب وعائلته" حى الرمال"، تلقى اتصالات هاتفية مكررة من جيش الاحتلال الإسرائيلي يخبره بإخلاء منزله فورًا، ليكون بذلك الأوفر حظا من العديد من أبناء مدينته ممن لم يتلقوا إنذارًا بالإخلاء وقُصف منزلهم فوق رؤوسهم وهم نيام.

قرر "عون" مغادرة منزله رفقة زوجته التي كانت حامل بالأيام الأخيرة من الشهر التاسع، وعائلته وبعض من جيرانه، متوجهين نحو الجنوب إلى بعض أفراد عائلة زوجته، الذين يقيمون في مدينة رفح تحديدًا منطقة تل السلطان، واستقروا بداخله حتى رزق الشاب بمولوده الأول "سند"، لكن خلال الأيام الماضية وبالرغم من أنّ مناطق الجنوب تعد الأكثر أمانًا لكن الاحتلال لم يستثنيها من قصفه العنيف هي الأخرى أسوة بجميع مدن القطاع.

"أهلي يخططون يرجعوا لحي الرمال حتى بعد أن أصبح مهجورًا" عائلة عون قررت العودة من جديد إلى الشمال، بالرغم من إقامتهم داخل مدرسة الأونروا في مدينة رفح، لكن المناطق من حولهم تشهد غارات عنيفة، إضافة إلى الظروف القاسية داخل المدرسة، " لا ماء- لا طعام- لا كهرباء"، لذا كان الخيار الأفضل لهم العودة،"الخلاصة ما في مفر وما بقى أمامنا غير الرجوع بغض النظر عن الخطر".

الشاب الذي يقيم وعائلته بمنطقة الشجاعية أحد المناطق التي شن الاحتلال عليها هي الأخرى غارات عنيفة في شمال القطاع، قرر في ظل استهداف المنازل المحيطة بمنزله وتهديدات الاحتلال الدائمة بقصف منزلهم لم يكن أمامهم خيارات سوى النزوح، وفي اليوم الذي قرر فيه محمد وعائلته الخروج، وصلت إليه أنباء استهداف سيارات لنازحين على الطريق"صلاح الدين وشارع الرشيدي" أثناء توجههم إلى جنوب غزة.

اعتقد الشاب وعائلته أن ّالجنوب سيكون آمنا بالنسبة لهم، لكنّهم ومنذ خروجهم حتى اللحظة لم يشعروا بالأمان قط، من بداية خوفهم الشديد لاستهدافهم على الطريق، مثلما تم استهداف عدد من جيرانهم أثناء محاولتهم النزوح، فاستشهد عدد كبير منهم، وحتى بعد وصولهم للمناطق الآمنة في رواية الاحتلال الإسرائيلي. لم يتوقف القصف بجوارهم.

وشاء القدر أن يودع محمد وعائلته، نحو 41 شهيدًا من أصدقائهم الذين نزحوا رفقتهم إلى الجنوب بعدما تم استهدافهم بمنزل مجاور لهم، "هما قالوا الجنوب آمن احنا مغمضناش عينا من كتر الضرب"، وبالرغم من القصف الشديد بمناطق الجنوب، إلا أن الشاب لم يعد أمامه أي وجهة أخرى، رافضًا فكرة الخروج من أرضه مطلقًا "ما بنطلع من الجنوب نهائي، حتى لو هيقصفوا الدار علينا".

وقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في 24 أكتوبر، عدد الذين نزحوا داخل غزة بأكثر من 1.4 مليون فلسطيني، نزحوا من منازلهم خلال أسبوعين منذ بدء العدوان إما بسبب الخوف أو بسبب تدمير منازلهم أو تضررها، لاسيما بعد تلقيهم تحذيرات من الجيش الإسرائيلي بالإخلاء، هذا الرقم الذي زاد بالفعل بسبب شدة الضربات خلال الأيام الماضية.

الدكتور حسن مرهج عميد كلية الإعلام جامعة القدس والباحث والمختص بالشؤون الإسرائيلية، تحدث عن سبب دعوة الاحتلال الإسرائيلي، لأهالي غزة بالتوجه نحو الجنوب، بأنّ الجيش الإسرائيلي منذ اللحظة الأولى من حرب السابع من أكتوبر، وهو يريد التعامل مع الأنفاق في المنطقة الشمالية من قطاع غزة.

الباحث بالشأن الإسرائيلي، قال لمصراوي أيضًا إنهّ يبحث التعامل مع تلك الأنفاق بطرق غير تقليدية، إمّا بإغراقها بالغازات السامة، وبعد ذلك يقوم بتفجيرها، وبعد تفجير الأنفاق يمكن أن يتعامل مع المنطقة الشمالية في غزة، كمنطقة حزام أمن للمستوطنات في غلاف غزة.

في الثالث عشر من أكتوبر وفي ظل غارات الاحتلال العنيفة على مناطق شمال غزة وتحديدًا مخيم جباليا حيث يعيش الشاب عاطف وعائلته، التي قررت النزوح من منزلهم الكائن بإحدى مناطق الشمال نحو وجهة جديدة في وسط مدينة غزة والتي لم تختلف كثيرًا عن الشمال فقرروا النزوح مرة ثالثة إلى مدينة رفح بالجنوب.

ووثق المرصد الحقوقي عمليات تنكيل يتعرض لها نازحون فلسطينيون لدى محاولتهم التوجه نحو جنوب منطقة وادي غزة من قوات الجيش الإسرائيلي التي تطوق مدينة غزة بالكامل وتقسم القطاع.

منذ أن طلبت إسرائيل من سكان غزة التوجه جنوباً، واصل جيشها قصف الأهداف في جميع أنحاء المنطقة، ما أسفر عن استشهاد مدنيين. وحسب ما تحدث به الخبير بالشأن الإسرائيلي غسان محمد، لمصراوي، فإن استهداف المدنيين من قبل الجيش الاسرائيلي هدفه اتهام حماس بقصف المدنيين لمنعهم من الخروج، وهذا ما تم بالفعل فبعض الجهات الإسرائيلية اتهمت حماس، بإطلاق النار على سكان غزة، الذين كانوا يحاولون الخروج من شمال غزة إلى جنوبها، وتلك ادعاءات مضللة وكاذبة.

وبعد قرابة شهرين من الحرب على قطاع غزة، التي خلفت وراءها آلاف الشهداء والجرحى، تم الاتفاق على هدنة إنسانية بدأت بأربعة أيام من الجمعة الماضي، ثم امتدت ليومين إضافيين، وهي الهدنة التي تم على إثرها تسليم نحو 50 من الأسرى الأطفال والنساء الإسرائيليين، مقابل 150 من السجناء والمعتقلين من النساء والأطفال في سجون الاحتلال.

وفي الساعات الأولى من الهدنة ورغم الخطر الكبير الذي لا يزال محيطًا بشمال قطاع غزة، لكن عدد كبير من العائلات آثر العودة إلى المنازل التي هجروها قسرا مهددين برصاصات وقذائف المحتل نحو الجنوب، الجنوب الذي لم يجدوا فيه أمانًا هو الآخر، فاتخذوا من طريق صلاح الدين ممرا "غير آمنٍ" للعودة، حتى لو اضطروا للبقاء على أنقاض منازلهم بالشمال وتحت أعين الدبابات المتوغلة في محاوره ليل نهار.

مشاركة

Error category videos cards

قد يعجبك

تابعونا على تويتر انضم إلينا على الفيسبوك
تحميل تطبيق توابل - أجود أنواع التوابل المغربية