«اليد المميتة» في مواجهة الغواصات النووية الأميركية
مشاركة
لم تعد الإشارة والتلميح بالقوة النووية من المحرمات في تفاعلات القوى الكبرى. الأمر نفسه متكرر في منطقتنا الشرق أوسطية، وأبرز حالة إنكار إسرائيل لحق دول معينة بالإقليم في الانخراط في أنشطة نووية سلمية، باعتبار أنها قد تقود إلى تغيير موازين القوى، وتهديد مكانة إسرائيل النووية كبلد وحيد لديه رؤوس نووية، كان قد هدَّد باستخدامها في إحدى مراحل حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، قبل أن تتدخل واشنطن عسكرياً في سيناء وفقاً لنصيحة هنرى كيسنجر آنذاك.

يُلاحظ هنا التداخل بين التلميحات النووية والتهديد بفرض مزيد من العقوبات، وبين رغبة ترمب الشخصية في وقف التقدم العسكري الروسي في أوكرانيا، ورغبته في أن يستجيب الرئيس بوتين لدعوته لوقف القتال والدخول في مفاوضات مع قادة كييف، من دون أن يكون لدى واشنطن تصوّر متكامل لوقف الحرب. في حين ترى موسكو أنَّ الأمر برمته متوقف على قبول كييف لشروطها المُعلنة من قبل، وأهمها أن تعترف بالوقائع الجديدة على الأرض، وأن تظل بلداً محايداً لا علاقة له بـ«الناتو». وجوهر الرؤية الروسية يركز على مبدأ أنَّ سلامة وأمن روسيا وبقاءها مرهون بتوقف توسع «الناتو» صوب حدودها المباشرة؛ لما يشكله ذلك من تهديد مباشر، ومن ثم يبدو الإصرار على حياد أوكرانيا وقبولها الشروط الروسية مسألة لا تنازل عنها. ونظراً لأن كييف ليست مستعدة بعدُ لسلام مشروط، في وقت تتقدم فيه القوات الروسية، وإن ببطء في جنوب وشرق أوكرانيا، تبدو مواقف الرئيس بوتين غير متعجلة لمفاوضات لا تحقق لروسيا أهدافها ذات الصلة المباشرة بأمنها القومي، والذي يصعب التنازل عنها أياً كانت العقوبات الجديدة التي يهدد بها الرئيس ترمب.

الموقف الروسي في حالة أوكرانيا وثيق الصلة بمجمل تحركات موسكو بخصوص بث قوة دفع بمشاركة صينية ودول أخرى كالبرازيل وجنوب أفريقيا، نحو تغيير النظام الدولي الذي تتفرد فيه واشنطن بالنفوذ إلى نظام تعددية قطبية. الوصول إلى هذه الحالة يتطلب وقتاً وتضحيات، وهو ما تدركه موسكو وتعمل على احتوائه تدريجياً وبثبات؛ ولذا لا تبدو تهديدات المزيد من العقوبات ذات معنى، بل يتم التعامل معها كتحصيل حاصل؛ فهناك عقوبات مفروضة من الغرب وحلفائه، لكنَّها لم توقف روسيا عن طموحاتها الأمنية. وتعد إشارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص صنع أسلحة وصواريخ شديدة التدمير، من قبيل التحدي والتنبيه بتطور الأسلحة الروسية، بالرغم من العقوبات الغربية، وقدرتها على أن تحدث الدمار ذاته للقنابل النووية، رغم كونها أسلحة تقليدية، فضلاً عن قابلية استخدامها في أوكرانيا، وفي مواجهة أي مصدر آخر يهدد روسيا.

إذاً، كيف يؤثر نشر غواصتين نوويتين أميركيتين في مكان مناسب على ردع روسيا وانصياعها لمطلب وقف القتال في أوكرانيا؟ يقيناً لن يُحدث تغييراً جوهرياً في الموقف الروسي، ويقيناً أن المخططين الاستراتيجيين الأميركيين يدركون أن نشر غواصتين نوويتين لن يؤدي إلى تغيير في موازين القوى العالمية، ثم إن تعبير النشر في مكان مناسب، كما ورد في أمر الرئيس ترمب، لا يعني أمراً محدداً؛ فهل بالقرب من الأراضي الروسية شرقاً أم غرباً؟ ما يضع الأمر كلياً في موقع الرد الدعائي، وتذكير موسكو بما تعلمه ويعلمه العالم بأسره أنَّ لدى واشنطن قدرات نووية متجولة، يمكنها أن تصل إلى مناطق مختلفة.

مشاركة
1 2 3 4 ... 22

Error category videos cards

قد يعجبك

تابعونا على تويتر انضم إلينا على الفيسبوك
أخبار بلادي ـ أخبار عاجلة، تطبيق الأخبار العربي رقم واحد