مشاركة
في المشهد الجيوسياسي الراهن، تتسارع وتيرة التسلح العالمي بشكل مقلق، حيث تعكف العديد من الدول على تعزيز ترساناتها العسكرية وتطوير تقنياتها الدفاعية والهجومية استعدادًا لصراعات يُعتقد أنها باتت وشيكة. وفي خضم هذا السباق، تبرز كل من الصين، روسيا والولايات المتحدة كفاعلين رئيسيين، حيث تسعى هذه الدول إلى ترسيخ هيمنتهم العسكرية والتكنولوجية على الساحة الدولية. حيث أظهرت الصين قوتها العسكرية المتنامية خلال العرض العسكري الضخم الذي أقيم في 3 سبتمبر 2025، وكشفت عن صواريخها الهيبرسونيك المتطورة وأنظمة الدفاع الصاروخي الحديثة التي أثارت إعجابًا وقلقًا على السواء. أما الولايات المتحدة، فقد سارعت إلى الرد على هذا التقدم عبر إعلان سلسلة من الإجراءات، كان أبرزها تغيير مسمى "وزارة الدفاع" إلى "وزارة الحرب"، في خطوة رمزية تعكس نزعة تصعيدية واضحة. غير أن الإجراء الأكثر إثارة للجدل في ظل هذا الاحتقان وتعزيز الترسانة العسكرية كان الإعلان عن مشروع "القبة الذهبية" (Golden Dome) في 20 مايو 2025، وهو نظام دفاع صاروخي يهدف إلى إنشاء درع فضائي قادر على اعتراض الصواريخ الباليستية والقذائف الصاروخية من أي مكان في العالم. يستند هذا المشروع إلى إحياء مبادرة "حرب النجوم " التي أطلقت في ثمانينيات القرن الماضي، لكنه يتفوق عليها تقنيًا عبر الاعتماد على شبكة من الأقمار الاصطناعية القتالية المجهزة بأسلحة ليزرية وحركية وإلكترونية متطورة. من الناحية النظرية، يعد المشروع نقلة نوعية في مجال الدفاع الصاروخي، لكنه يثير في الوقت نفسه تساؤلات عميقة حول انعكاساته على الاستقرار الاستراتيجي العالمي. فبحسب البروفيسورة جوان جونسون-فريز (Joan Johnson-Freese) ، فإن نشر أنظمة الدفاع الفضائي المتطورة قد يدفع القوى الدولية الأخرى إلى الدخول في سباق تسلح فضائي، مما يقوض مبادئ الأمن الجماعي ويتسبب في زعزعة التوازن الاستراتيجي القائم. وتؤكد ذلك في كتابها الصادر عام 2016 تحت عنوان "حرب الفضاء في القرن الحادي والعشرين: تسليح السماوات". وعلى الصعيد الدولي، تواجه واشنطن انتقادات حادة من خصومها التقليديين. فمن موسكو، هاجمت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا المشروع ووصفته بأنه "تطوير لوسائل الدمار الاستباقي"، معتبرة أنه يُمثل تجسيدًا لمنهج عقائدي خطير يهدف إلى توجيه ضربات استباقية تحت غطاء عمليات نزع السلاح. وشددت زاخاروفا على أن هذا النهج المغامر "يقوض مباشرة دعامات الاستقرار الاستراتيجي" أما الصين، فقد انضمت إلى هذا الموقف النقدي عبر المتحدثة باسم خارجيتها ماو نينغ، التي أدانت المشروع الأمريكي واعتبرته انتهاكًا صريحًا لمبدأ "عدم المساس بأمن الدول الأخرى"، مشيرة إلى أنه يهدد الاستقرار العالمي برمته. وفي إطار مواجهة هذا التوجه الأمريكي، تعمل روسيا والصين على الترويج لمعاهدة مشتركة تم إعدادها عام 2008 بهدف منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي، حيث تحظر المعاهدة نشر الأسلحة في المدارات الفضائية وتجرم تدمير الأجسام الفضائية. وقد جاء في بيان مشترك صدر في 8 مايو 2025 أن البلدين يدينان المحاولات الأمريكية لتعزيز الوجود العسكري في الفضاء، مؤكدين على التزامهما بسلامة وأمن الفضاء الخارجي. وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت سنويًا على قرارات تدعم هذه الرؤية، حيث تحظى مواقف موسكو وبكين بتأييد غالبية الدول الأعضاء، في حين تعارضها الولايات المتحدة وحلفاؤها بشكل منتظم. ولا تقتصر المخاوف على الجوانب الاستراتيجية والأمنية فحسب، بل تمتد إلى الجوانب الاقتصادية والمالية. فبحسب تقديرات البنتاغون، فإن تكلفة المشروع قد تصل إلى 175 مليار دولار بحلول عام 2028، مع توقعات بأن تتجاوز 800 مليار دولار على المدى الطويل. هذه التكاليف الباهظة قد تثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي وتؤدي إلى تخفيضات كبيرة في البرامج الاجتماعية، ناهيك عن تأثيرها السلبي على الميزانية الفيدرالية ومستوى الدين العام. ولتخفيف هذا العبء، قد تضطر واشنطن إلى الضغط على حلفائها في حلف الناتو للمساهمة في تمويل المشروع تحت غاية "المصلحة الأمنية المشتركة". العديد من المحللين يرون في "القبة الذهبية" مجرد أداة دعائية لتعزيز صورة ترامب السياسية، وليس مشروعًا دفاعيًا واقعيًا. الخطر الحقيقي يكمن في زعزعة التوازن الاستراتيجي وفتح الباب لعصر جديد من الصراع في الفضاء، مما يجعل الدبلوماسية والحوار أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فحتى من الناحية التقنية، هناك شكوك كبيرة حول جدوى المشروع وقدرته على تحقيق الأهداف المعلنة. فبحسب داريل كيمبل، مدير جمعية الرقابة على الأسلحة، فإن أنظمة الاعتراض الفضائية "معقدة تقنيًا وعرضة للأعطال"، كما أنها أهداف سهلة أمام الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية التي طورتها كل من روسيا والصين. ويضيف أن الاعتماد على هذه الأنظمة قد يدفع الخصوم إلى تطوير ترسانات صاروخية أكثر تطورًا وعددًا، مما يفاقم المخاطر بدلاً أن يحد منها. وفي الختام، فإن مشروع "القبة الذهبية" يظل مشروعًا مثير للجدل. فبينما يروج له دعاة التسلح كخطوة ضرورية لضمان الأمن القومي الأمريكي، يراه الكثيرون استثمارًا ضخمًا في غير محله، ووسيلة لتعزيز النفوذ السياسي أكثر من كونه أداة فعّالة للدفاع. والسؤال الذي يظل مطروحًا هو: هل ستنجح واشنطن في تحقيق أمنها عبر العسكرة المكثفة للفضاء، أم أنها ستفتح الباب أمام سباق جديد يهدد السلام العالمي برمته؟ الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة قُصفت الدوحة، وتألمت قطر، وتلقى أميرها العشرات من الاتصالات المنددة والمتضامنة مع الدولة الصغيرة والغنية بالغاز والنفط، بعد أن وصلتها الصواريخ الإسرائيلية، وقبلها كانت الصواريخ الإيرانية تضرب قاعدة "العديد" على ... الرجاء إدخال عنوان البريد الإلكتروني. سوف تتلقى رسالة بريد إلكتروني مع تعليمات حول كيفية إعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك.
مشاركة