الثوابت الدينية المغربية..
مشاركة
في مدنٍ أوروبية باردة حيث تتقاطع لغاتٌ وثقافاتٌ وأساليبُ عيشٍ متباينة، وحيث تُفرض على الأجيال الجديدة معايير اندماج قاسية تكاد تُذيب ملامح الانتماء، يظلّ شيءٌ ما في أعماق الجالية المغربية يرفض الذوبان ويبحث عن دفءٍ يعيد صياغة الهوية في زمن الاغتراب، ويجعلهم متشبثين بثوابتهم الأصيلة، وقيمهم الدينية والوطنية، ولعل ما يجب أن نذكر به وسطره علماء الغرب الإسلامي، في هذا السياق أن هذه الثوابت وفي مقدمتها المذهب المالكي الذي يتبناه المغاربة لم يكن حضوره حديثًا أو مستوردًا عابرًا أو ترعاه المؤسسات المغربية، بل إنه في الأصل نشأ وأُسست قواعده ومفاهيمه في أرض الأندلس والمغرب، حيث ارتبط وجوده بتاريخ طويل في القارة الأوروبية نفسها، وهذا العمق التاريخي يعزز من حضور هذا المذهب كجزء لا يتجزأ من ذاكرة الهوية المغربية في المهجر، فالمذهب المالكي بمرونته، والعقيدة الأشعرية بتوازنها، وروح التصوف السني بما يحمله من سكينةٍ واعتدال، تحولت في سياق الشتات إلى ما يشبه الجدار الأخير الذي يستند إليه المغاربة في مواجهة ضغط العلمنة القوي وصخب ثقافات لا تشبه جذورهم، ومع التحولات التي شهدها العالم الإسلامي خلال العقود الأخيرة، وانحسار المد الوهابي وتراجع بريق الخطاب الصارم الذي روّجت له بعض المراكز الدينية في الشرق، بدا أن النموذج المغربي، بما فيه من وسطية وحكمة تاريخية، قدّم للجالية في أوروبا مرفأً فكريًا وروحيًا، ليس كمجرد طقوسٍ دينية بل كذاكرة جمعية وحماية لامتداد الهوية.

مشاركة
1 2 3

قد يعجبك

تابعونا على تويتر انضم إلينا على الفيسبوك
أثناء الممارسة نكتشف الفلسفة الحقيقة للوينج تشون