كزافيي دريانكور يكتب: الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي.. أي نموذج؟
مشاركة
لماذا أصبحت مستعمرتان سابقتان، إحداهما بريطانية وهي ماليزيا، والأخرى فرنسية وهي الجزائر، وهما بلدان ذوا أغلبية مسلمة، وحصلا على استقلالهما في الفترة نفسها، مختلفين إلى هذا الحد؟ لماذا أصبحت ماليزيا، التي لا تملك نفطا ولا غازا، القوة الاقتصادية رقم 22 في العالم، بينما تكافح الجزائر، الغنية بالنفط والغاز، بالكاد لتصل إلى المرتبة 120 اقتصاديا؟

عنصر آخر للتفسير قد يكمن في البيئة الإقليمية. الهند وماليزيا وسنغافورة توجد في محيط إقليمي شديد التنافس: النمور الآسيوية، فيتنام، كمبوديا، تايلاند، الفلبين، تايوان. هذا يشكل عاملا محفزا للنمو الاقتصادي لأن الأولوية لدى هذه الدول وحكوماتها هي التنمية الاقتصادية. فيتنام، رغم أنها مستعمرة فرنسية سابقة، وعرفت حربين ضاريتين ضد فرنسا ثم الولايات المتحدة، ورغم الصراع مع الصين، لم تحتفظ بأي ضغينة تجاه القوى الاستعمارية السابقة، بل اختارت بشكل واعٍ أولوية التنمية الاقتصادية.

«فرنسا الاستعمارية، المقتنعة بتفوق نموذجها، لم تترك روحا أو مبادئ ليبرالية، بل تركت مؤسسات «صلبة»، نقيضا للروح التي خلفها الإنجليز»

البيئة الإقليمية بالفعل عامل مهم، وربما أكثر من غيره. الدول الآسيوية، المنضوية في تحالفات مثل «آسيان»، تستفيد من منافسة مستمرة ومحفزة. أما الجزائر، فباستثناء المغرب المجاور، فهي محاطة بدول متأخرة. لا توجد تحالفات أو تكتلات إقليمية فاعلة: محاولات بناء مغرب عربي موحد فشلت، والعلاقات بين الجزائر والمغرب قُطعت قبل أربع سنوات. إلى الجنوب، دول الساحل غارقة في الفقر والحروب، وإلى الشرق ليبيا غارقة في حرب منذ 15 عاما. بخلاف «آسيان»، لا توجد تحالفات إقليمية حقيقية سوى الاتحاد الإفريقي.

هذه الروح، ذات الطابع الليبرالي، ارتكزت على ثلاثة مبادئ ما تزال حاضرة: فصل السلطات على الطريقة الإنجليزية، قضاء مستقل نسبيا، صحافة ناقدة نسبيا، وأخيرا الإيمان بحرية المبادرة. باختصار، اعتمد الإنجليز على شكل من «القوة الناعمة». أما الفرنسيون، في مشروعهم الاستعماري، فقد سعوا إلى فرض مؤسساتهم. فرنسا الاستعمارية، المقتنعة بتفوق نموذجها، لم تترك روحا أو مبادئ ليبرالية، بل تركت مؤسسات «صلبة»، نقيضا للروح التي خلفها الإنجليز. فرنسا أنشأت في إفريقيا والمغرب العربي وآسيا مؤسساتها الخاصة، محت السلطة التقليدية لتفرض النظام الفرنسي: حكام أصبحوا مفوضين سامين ثم ولاة، إدارات للضرائب والخزينة، مدارس إدارية على نمط «المدرسة الوطنية للإدارة»، وما زالت الجزائر اليوم تملك ولاة على نمط المحافظين الفرنسيين، وإدارات مركزية منسوخة عن نظيراتها الفرنسية، ومجلسا دستوريا، ونظاما قضائيا مزدوجا إداري وقضائي.

طبعا كانت هناك استثناءات. الاستعمار البريطاني بدوره كان قاسيا: الهند، جنوب إفريقيا، روديسيا ثم زيمبابوي، إبادة السكان الأصليين في أستراليا، إخضاع الفرنسيين في كيبك، كلها شواهد على العنف الإمبراطوري. وإذا كانت الجزائر تجسد «القاعدة» التي وصفتها، فإن المغرب شكّل استثناء. فرنسا احترمت فيه، كما في تونس، المؤسسات الملكية التقليدية، بل عززتها وأضافت إليها بعض المبادئ والأساليب كما فعل الإنجليز في أماكن أخرى. والنتيجة اليوم واضحة: أكثر من ستين عاما بعد الاستقلال، من دون نفط أو غاز، أصبح المغرب إحدى القوى الاقتصادية البارزة في إفريقيا، بينما جاره يعيش على ريع مزدوج، نفطي وذاكري.

وأعتقد أن في هذا يكمن التفسير الأهم للسؤال الذي طرحته في البداية: لماذا بعد ستين عاما من الاستقلال، صارت المستعمرات البريطانية السابقة، الهند وماليزيا وسنغافورة، وبالطبع أستراليا وكندا، من بين أكثر دول العالم تقدما، بينما مستعمراتنا السابقة، باستثناء المغرب وفيتنام، تتذيل التصنيفات. الحرب، الإسلام، البيئة الإقليمية كلها عوامل مفسرة، لكن أساليب الاستعمار الفرنسي والبريطاني تبقى، على الأرجح، التفسير الأعمق والأكثر دلالة.

مشاركة
1 2

Error category videos cards

قد يعجبك

قد يعجبك

تابعونا على تويتر انضم إلينا على الفيسبوك
Egypt News - أخبار مصر، التطبيق الإخباري الأول في جمهورية مصر العربية