مصر دولة مدنية لكن النكهة دينية
مشاركة
أحلام نشر الثقافة ونثر الفن وتعميم الرياضة والتوسع في المبادرات والأنشطة والمشروعات ذات الطابع التنويري تبددت في "كوابيس" الزج بالمؤسسات الدينية في كل ما سبق

تصاعدت مطالبات بتكثيف البرامج الثقافية، وتنمية مبادرات اكتشاف المواهب الفنية من موسيقى وغناء ورسم، وتقديم حفلات فنية بأسعار في متناول يد الشباب والمراهقين، وذلك مناهضة للتطرف الفكري ومجابهة للتشدد الديني، فتواترت لقاءات المسؤولين في وزارتي

والأوقاف لتنظيم ندوات للشباب تروج لـ"الفكر الديني الوسطي"، كذلك دشنت وزارة الأوقاف برنامج "الأسبوع الثقافي" في 27 مسجداً في أرجاء مصر، كما تفتتح "الأوقاف" عدداً من المراكز الثقافية الإسلامية في عدد من المحافظات.

بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يوجد 5240 مركز شباب في أنحاء مصر، وهو ما يمثل بنية تحتية مهمة للنهوض بالرياضة، لولا مشكلات المراكز المتراكمة على مدى عقود، التي جعلت كثيراً منها عديم الفائدة. الجهاز المركزي قدم أيضاً رؤية لما سماه "النهوض بالواقع الرياضي في مصر"، وذلك في ضوء ما وصفه بـ"زيادة التحديات المرتبكة بصحة المصريين، وتراجع معدلات ممارسة النشاط البدني، وانتشار الخمول البدني والسمنة، لا سيما بين الأجيال الأصغر سناً". وجاء ضمن التوصيات مشاركة الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص للارتقاء بالمشهد الرياضي، ودعم ثقافة الحركة والنشاط البدني في الحياة اليومية.

اللافت أن وزارة الشباب والرياضة وقعت بروتوكول تعاون قبل أيام مع وزارة الأوقاف وفي حضور مفتي مصر نظير عياد، وذلك لتنظيم معسكرات "لتصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة الفكر المتطرف، وبناء خطاب ديني وثقافي مستنير".

وقبل ساعات، جرى تدشين مبادرة طال انتظارها، وذلك بعد أعوام من مطالبات بالنظر في خلطة – يطلق بعض المصريين عليها "فخفخينا"- حيث مظاهر الدين بالسلوك، مما نجم عنه تدين مظهري بلا قاعدة أخلاقية أو سلوكية مناسبة. المبادرة الرسمية عنوانها "صحح مفاهيمك".

تهدف المبادرة إلى تصحيح المفاهيم والسلوكيات المجتمعية الخاطئة، وتعزيز قيم الانتماء والانضباط، من خلال معالجة قضايا تمس الواقع اليومي للمواطن، برؤية علمية وتربوية منضبطة، وعلاج الظواهر السلبية والسلوكيات المدمرة التي تؤدي إلى تراجع القيم والأخلاق في المجتمع، وذلك بالتوعية والرحمة من دون إدانة أو إقصاء.

المفاجأة هي أن المبادرة "تستند إلى خطاب ديني رشيد"، والقائم عليها مجموعة من الوزارات والهيئات، أبرزها الشباب والرياضة والثقافة والتربية والتعليم والتضامن الاجتماعي والصحة والسكان والسياحة والآثار والموارد المائية والري ومجلسي القومي للمرأة والطفولة والأمومة والنيابة العامة ومحكمة النقض ووحدة غسل الأموال والهيئة الوطنية للإعلام وغيرها، وذلك بقيادة وزارة الأوقاف.

وفي ملف حوادث الطرق والآخذة في حصد أعداد كبيرة من المصريين لأسباب يتعلق معظمها بالعنصر البشري وغياب الرقابة، تأخذ دار الإفتاء المصرية على عاتقها التأكيد بين الحين والآخر أن خرق قوانين السير والقيادة "حرام شرعاً".

الأشهر القليلة الماضية شهدت خروج دار الإفتاء عقب كل حادثة طريق فادحة تحصد عدداً من الأرواح لتأكيد أن تجاوز السرعة المحددة، والسير عكس الاتجاه، والقيادة من دون رخصة ليست فقط مخالفات قانونية، لكن تدخل في دائرة الحرام شرعاً، ومن يقترفها آثم شرعاً، والفعل نفسه مذموم دينياً.

ومن حوادث الطرق إلى الأنماط الفنية "الغريبة"، واتفاق بين وزارة الثقافة ومشيخة الأزهر على "تعزيز أواصر التعاون وبحث سبل الدفع بعجلة العمل الثقافي المشترك بما يخدم قضايا بناء الإنسان المصري"، و"التصدي للأنماط الفنية والثقافية الغريبة التي اجتاحت المجتمع، واستهدفت إقصاء الثقافة وتهميش دورها في بناء الإنسان وتشكيل وعيه، وجعلت الشباب معزولاً عن كل ما يغرس فيه الاعتزاز بهويته الدينية والأخلاقية، حتى أصبح عرضة وفريسة سهلة للاستقطاب، في ظل تفشي أمراض الجهل وقلة المعرفة وغياب التعليم الجيد والمحتوى الإعلامي الهادف".

وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسة الأزهر أعلنت إعادة طباعة "مجلة الأزهر" منذ إنشائها في 106 مجلدات، وذلك "لضخ دماء ثقافية جديدة".

وبينما "جهود" المؤسسات الدينية تتواتر، وتتسع قاعدتها يميناً ويساراً، ويزداد تأثيرها ورقعتها لنشر الثقافة وتصحيح المفاهيم وتعليم السلوك وتعديل المسار وتوقيع بروتوكولات التعاون واتفاقات تبادل خبرات يثني عليها بعضهم، ويتعجب بعض آخر، إذ بمبادرة لعودة "الكتاتيب" تطل برأسها في نهاية العام الماضي.

أصوات عدة اجتهدت على مدى أعوام ما بعد 2013 لطرح أفكار واستراتيجيات لحلحلة الوضع الديني الشعبي التعليمي المتشابك، ودعمتها في ذلك مطالبات الرئيس المصري المتكررة لتجديد الخطاب.

ويبدو أن مسألة التجديد كان مختلفاً عليها من قِبل من يفترض أنهم القائمون عليها. صدامات عدة وقعت بين باحثين وأكاديميين وكتاب غير منتمين للمؤسسات الدينية الرسمية من جهة، وبين القائمين على أمر هذه المؤسسات، كشفت عن شيئين: إما رفض ضلوع غير المنتمين للمؤسسات في عملية التجديد والتنقيح والتطهير، وإما رفض التجديد برمته.

ولأن التعليم يشكل الضلع الآخر في عملية الإصلاح، فقد فوجئ كثر بخطو تلو الأخرى تؤكد السير عكس الاتجاه. مبادرة عودة الكتاتيب قوبلت بمشاعر وردود فعل متباينة، قاعدة عريضة فرحة بمزيد من تديين المجتمع، وقلة متمسكة بتلابيب المدنية وفصل الدين عن الدولة رأت سيراً عكس الاتجاه، والإنفاق على تعليم ديني بدلاً من إصلاح التعليم وانتهاج منهج علمي حديث للحاق بما فات ربما دفعت إلى تفعيل المبادرة، ولكن بـ"لوك" مختلف.

قبل أيام، وقع كل من وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبداللطيف ووزير الأوقاف أسامة الأزهري بروتوكول تعاون للاستفادة من المساجد في تقديم خدمات رياض الأطفال قبل سن التعليم الإلزامي. بمعنى آخر، كتاتيب. وبحسب البيان الصادر، ستقوم حضانات المساجد بمهمة "غرس القيم الأخلاقية وتعزيز الوطنية لدى النشء".

وتحدث الطيب عن خصوصية التعليم العربي والهوية العربية، وتباهي الأهل بإجادة الأبناء لغات أجنبية وضعفهم في العربية، والرسائل الثقافية والاجتماعية والسياسية في التعليم الأجنبي والتي قد تتسبب في انتزاع الهوية.

يشار إلى أن التعليم الأزهري يشهد انتشاراً وانتعاشاً كبيرين، يتمثلان في "طفرة غير مسبوقة في ما يتعلق بأعداد المعاهد والكليات التي حصلت على شهادات اعتماد من مؤسسة الأزهر".

في تلك الأثناء، وفي فكر مختلف وأولوية مغايرة وهدف مناقض، يرى بعض المصريين أن طريق الإصلاح لا يمر إلا عبر تعليم يفتح الأبواب لا يغلقها. الكاتب عادل نعمان يرى أنه "لا تجديد، أو إصلاح، أو تحديث للخطاب الديني من دون تعليم مدروس وهادف وجاد، فهو الطريق الصائب والمحكم للإصلاح والتحديث، تعليم يفتح الأبواب على ثقافات العالم، يعتمد قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان أساساً للتعاون والمشاركة والتبادل العلمي والمعرفي، والأهم ترسيخ قواعد المنهج العلمي في البحث والدراسة بالدليل والبرهان".

ومضى نعمان إلى القول في مقاله تحت عنوان "التعليم والخطاب الديني المستنير" إن اعتماد المنهج العليم كمصدر وحيد لتفسير الظواهر جميعها بعيداً من الخرافات التاريخية التي تخالف العقل، وكذلك الفهم الموضوعي للتراث واعتباره مقبولاً في إطار الأساطير التاريخية فحسب، لا يتعداها أو يتجاوزها. وإذا تجاوز حدوده وجب خضوعه للبحث العلمي، وكان تصنيفه منافياً للعقل والعلم، ومن ثم أصبح مناهضاً وليس مؤيداً، وعائقاً وليس مطابقاً، أو داعماً للتأريخ والمعتقد".

وقال عبدالعال في تصريحات صحافية بعد الجلسة إن الكتاتيب ليست حلاً لمشكلة التعليم، وليست مكملة لأداء المدارس، وليست حلاً لمشكلات الأخلاق والقيم والعادات، مشيراً إلى عدم وجود أدلة على أن خريجي المعاهد والكليات الدينية هم الأكثر أخلاقاً أو تمسكاً بالقيم الإنسانية والأخلاقية، وأنه من الأولى الإنفاق على تطوير التعليم العام بزيادة عدد المدارس والفصول الدراسية، وتحسين دخول المدرسين.

إنها خبطات متتالية تتلقاها القلة المتمسكة بحبال حلم الدولة المدنية. فرحة عابرة، وأمل قصير، وحلم مجهض تحمله هذه القلة معها أينما ذهبت. هذه الخطوات الحكومية تراها هذه القلة غريبة أو صادمة وفي الاتجاه المعاكس لما كان مأمولاً، بينما تعدها الغالبية جيدة ومبشرة وتستحق التأييد والثناء والمباركة نظراً إلى مزيد من تديين المجتمع ومظاهر الحياة، مما يعكس رغبة شعبية في مزيد من المحافظة الدينية.

ويمكن القول إن هذه الإجراءات والخطوات المازجة بين الدولة ومؤسساتها، والمكون الديني سواء عبر تشجيع تدخل المؤسسات الدينية في المؤسسات المدنية رفع من أسهم أو شعبية الحكومة لدى فئة من المصريين. إنها الفئة التي سلمت نفسها عقب إسقاط حكم جماعة الإخوان لما نثرته قواعد الجماعة الإلكترونية وأذرعها الإعلامية من أن النظام الجديد في مصر مناهض للدين وكاره للمتدينين، عكس الإخوان، وذلك ضمن الحملة الشرسة التي شنتها الجماعة بعد سقوطها المدوي في مصر.

مشاركة
1 2 3 4 ... 7

قد يعجبك

تابعونا على تويتر انضم إلينا على الفيسبوك
أخبار بلادي ـ أخبار عاجلة، تطبيق الأخبار العربي رقم واحد