انفجار مرفأ بيروت في ذكراه الخامسة: هل اقتربت لحظة الحقيقة؟ | يورونيوز
مشاركة
في 4 آب/أغسطس 2020، شهد لبنان واحدًا من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث، عندما انفجرت كميات ضخمة من نترات الأمونيوم كانت مخزّنة منذ أعوام في العنبر 12 بمرفأ بيروت.

مع تصاعد الاستدعاءات، تعرّض القاضي البيطار لهجوم سياسي مباشر، خاصة من جانب حزب الله، الذي اتهمه بالتسييس، وهدد صراحة من استمرار ما وصفه بـ"النهج الاستنسابي"، في إشارة إلى استدعاءات طالت حلفاء للحزب دون سواهم. وترافقت هذه الحملة مع اتهامات متزايدة للحزب بأنه يفرض سيطرة فعلية على مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، ما يثير تساؤلات بشأن مدى مسؤوليته أو معرفته بمخاطر المواد المخزّنة.

في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2021، نظّمت حركة أمل وحزب الله تظاهرة أمام قصر العدل في بيروت للمطالبة بتنحية القاضي البيطار. وسرعان ما اندلع اشتباك مسلّح في منطقة الطيونة بين مناصرين لحركة أمل وحزب الله من جهة، والقوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع من جهة أخرى، في حادثة خلّفت قتلى وجرحى، وأعادت التوتر الطائفي إلى الواجهة. الحادثة مثّلت ذروة التصعيد ضد مسار التحقيق، ورسّخت الانقسام الحاد حول مستقبل الملف القضائي.

في ظل غياب نتائج نهائية من التحقيق، برزت إلى جانب الرواية الرسمية حول الإهمال والتقصير الإداري فرضيات أخرى، من بينها احتمال تورّط إسرائيل في الحادث، سواء عبر استهداف مباشر لموقع حساس داخل المرفأ، أو ضمن عملية استخباراتية غير معلنة. هذه الفرضيات، التي تداولها سياسيون وإعلاميون لبنانيون، لم تثبت بالأدلة حتى الآن، كما لم تعتمدها التحقيقات الرسمية، إلا أن عدم تعاون بعض الدول في تقديم صور الأقمار الصناعية المتعلقة بيوم الانفجار، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، أبقى هذه الفرضيات قيد التداول الشعبي والسياسي، وزاد من الشكوك العامة.

وفي مقابل التعطيل الذي شلّ التحقيق الداخلي، علت أصوات تطالب بتحقيق دولي مستقل برعاية الأمم المتحدة أو جهات قضائية خارجية، خصوصًا في ظل تشكيك واسع باستقلال القضاء المحلي وقدرته على محاسبة شخصيات تتمتع بحصانة سياسية أو طائفية. إلا أن هذه المطالب لم تلقَ تجاوبًا رسميًا من الدولة اللبنانية، رغم تبنيها من قبل عدد من الكتل النيابية ومنظمات حقوقية.

في كانون الثاني/يناير 2025، أعاد القاضي طارق البيطار تحريك الملف، بعدما استند إلى تفسير قانوني يعتبر أن تعليقه عن العمل لا يحجب صلاحياته الأساسية كمحقق عدلي. هذه العودة جرت في ظل تغير بالموازين السياسية، وتراجع قدرة الأطراف المعترضة على الضغط لوقف التحقيق.

من جهته، قال رئيس الحكومة نواف سلام، خلال مشاركته في افتتاح "شارع ضحايا الرابع من آب" قرب المرفأ، إن "تحقيق العدالة لا بد أن يحصل ولو تأخر، ولا سبيل إليها إلا بكشف الحقيقة"، مضيفًا أن القضية "وطنية بامتياز، ولا مكان فيها للتسويات".

أما وزير العدل عادل نصار، فشدد على أن "الحكومة اتخذت قرارًا واضحًا بإكمال الملف حتى النهاية"، لافتًا إلى أن "العمل القضائي فُعّل، ويجب البتّ في كل الملفات العالقة"، معتبرًا أن "الدولة التي لا تُطلع شعبها على الحقيقة، دولة فاقدة للثقة".

التحقيق في انفجار مرفأ بيروت لم ينتهِ بعد، لكنه عاد إلى مساره الطبيعي بعد سنوات من التعليق القسري. ومع اقتراب القاضي البيطار من إصدار قراره الاتهامي، تواجه الدولة اللبنانية اختبارًا حاسمًا: إما الذهاب إلى المحاسبة الفعلية، أو السقوط مجددًا في دوامة الإفلات من العقاب.

ومع أن الانفجار دمّر أحياءً في بيروت، إلا أن ما دمّره فعليًا هو ثقة اللبنانيين بمؤسساتهم. ولا يمكن إعادة بناء هذه الثقة إلا بحقيقة واضحة وعدالة مكتملة، مهما تأخرت، بعيدا عن التسيس والكيديات.

مشاركة
1 2 3 4 ... 21

قد يعجبك

تابعونا على تويتر انضم إلينا على الفيسبوك
Akhbar Algérie - أخبار الجزائر، التطبيق الإخباري الأول في الجمهورية