مشاركة
"غوغل باي" يصل السعودية... و"علي باي" في الطريق
منذ 6 ساعات
في قاعة مكتظة بالوفود والشركات في مؤتمر "موني 20/20 الشرق الأوسط" بالرياض، أعلن البنك المركزي السعودي (ساما) خطوة جديدة قد تغير وجه المشهد المالي في المملكة: إطلاق خدمة "غوغل باي" رسميا، وتوقيع اتفاق لتمكين "علي باي+" من العمل في السوق المحلية بحلول 2026. واليوم، باتت مدى أشبه بـ"الأوتوستراد المالي" الذي تعبره كل المعاملات، سواء أجريت ببطاقة محلية أو خدمة دفع دولية مثل "آبل باي" أو "غوغل باي" وقد جعل هذا الربط العميق بين البنية التحتية الوطنية والأنظمة العالمية السوق السعودية منفتحة على أحدث الابتكارات، وفي الوقت نفسه حافظت على سيادة الدولة على حركة الأموال. تاريخيا، كان دور البنك المركزي السعودي أقرب إلى "الشرطي" المنظم للنظام المصرفي. لكن المؤسسة أعادت تعريف نفسها كلاعب يمزج بين الرقابة والابتكار وأطلقت بيئة تشريعية تجريبية سمحت لشركات ناشئة بتجربة حلول دفع جديدة دون الخوف من القيود البيروقراطية تاريخيا، كان دور البنك المركزي السعودي أقرب إلى "الشرطي" المنظم للنظام المصرفي. لكن المؤسسة أعادت تعريف نفسها كلاعب يمزج بين الرقابة والابتكار، وأطلقت بيئة تشريعية تجريبية سمحت لشركات ناشئة بتجربة حلول دفع جديدة دون الخوف من القيود البيروقراطية، وكانت النتيجة تضاعف عدد تلك الشركات ثلاث مرات في ثلاث سنوات، من 82 شركة في 2022 إلى 281 في منتصف 2025. وقد جعل هذا التحول السعودية بيئة جاذبة للاستثمارات بأكثر من 9 مليارات ريال (2.39 مليار دولار) استقطبتها شركات التكنولوجيا المالية -فاينتيك- منذ 2018، ولم تقتصر هذه الاستثمارات على البنوك الكبرى أو الشركات العالمية، بل شملت أيضا عشرات الشركات الناشئة المحلية التي وجدت في السوق السعودية منصة اختبار مثالية قبل التوسع إقليميا. ولا يقاس نجاح هذه البنية فقط بالأرقام أو بسلاسة المعاملات، بل أيضا بقدرتها على جعل السعودية لاعبا لا يمكن تجاوزه في معادلة المدفوعات الإقليمية. إذا أرادت "غوغل" التوسع في الخليج، فمن المرجح أن يبدأ ذلك من الرياض، حيث السوق الكبيرة، والبنية التحتية المتقدمة، والدعم الحكومي الصريح. أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) عن إطلاق خدمة "غوغل باي"، إحدى منتجات جوجل، عبر نظام الدفع الوطني (مدى) في المملكة العربية السعودية. بهذا، يمكن القول إن إطلاق "غوغل باي" و"علي باي+" في السعودية لم يكن ممكنا لولا هذا التراكم المؤسسي والتقني الذي صنعته "مدى" و"ساما" على مدى عقد كامل. ومع ذلك، تبقى الأسئلة فهل البنية التحتية الحالية قادرة على مواكبة قفزات أكبر – مثل إدماج الذكاء الاصطناعي أو العملات الرقمية للبنوك المركزية؟ وهل يمكنها موازنة الانفتاح العالمي مع متطلبات السيادة الوطنية؟ تعتمد الفكرة الأساس لـ"غوغل باي" على جعل الهاتف المحمول بديلا عمليا للمحفظة التقليدية. من خلال تطبيق محفظة "غوغل"، يمكن المستخدمين إضافة بطاقاتهم المصرفية بما في ذلك بطاقات "مدى"، وربطها ببطاقات الائتمان أو الخصم المباشر. وعند الدفع في متجر مجهز بجهاز نقاط بيع يدعم تقنية الاتصال القريب، يكفي تقريب الهاتف من الجهاز لتتم العملية بنجاح. لا يمكن الحديث عن دخول "غوغل باي" إلى السعودية دون التطرق إلى المنافس المباشر "آبل باي". فقد سبقت "آبل" بإطلاق خدمتها قبل ست سنوات الميزة الأبرز لدخول "غوغل باي" إلى السعودية أنه يتم عبر شبكة "مدى"، مما يعني أن جميع البنوك المحلية ملزمة دعم الخدمة مباشرة مما يفتح المجال أمام ملايين المستخدمين دون الحاجة إلى بناء شراكات ثنائية مع كل بنك على حدة. لا يمكن الحديث عن دخول "غوغل باي" إلى السعودية دون التطرق إلى المنافس المباشر "آبل باي". فقد سبقت "آبل" بإطلاق خدمتها قبل ست سنوات، وأصبحت ركيزة في معاملات التجزئة بفضل قوة علامتها التجارية وهيمنة أجهزة "آيفون" على السوق المحلية بحصة تتجاوز 40%. مع ذلك، يمتلك "غوغل باي" نقاط قوة مختلفة. فانتشار أجهزة "أندرويد" في السعودية يراوح بين 55% و60%، مما يمنحه قاعدة مستخدمين أوسع. إلى جانب ذلك، يتمتع بتكامل أعمق مع خدمات "غوغل" الأخرى مثل "جيميل" و "مابس" و"كروم". يمكن المستخدم دفع فاتورة تصله عبر البريد الإلكتروني مباشرة من داخل التطبيق. كما أن بيئة "أندرويد" المفتوحة تمنح مرونة أكبر للشركات الناشئة والتجار الصغار مقارنة بالمنصة الأكثر تقييدا من "آبل"، وبالتالي فدخول "غوغل باي" لا يقدم خيارا إضافيا فقط، بل يساهم في خلق توازن في السوق ومنع احتكار تجربة الدفع الرقمي من قبل شركة واحدة. بالنسبة للمستهلك السعودي، فإن دخول "غوغل باي" إلى السوق يعني تغييرات ملموسة تسهل حياته اليومية على أكثر من مستوى. فإضافة بطاقة "مدى" أو بطاقة ائتمان إلى تطبيق محفظة "غوغل" لا تستغرق سوى دقائق، لتصبح المعاملات أسرع من الدفع النقدي التقليدي. كما يتيح التطبيق تتبع الإنفاق بشكل لحظي، مما يساعد الشباب – الذين يشكلون النسبة الكبرى من السكان – على إدارة ميزانياتهم بصورة أفضل. وفي حال ربط الخدمة بمنصات حكومية مثل "توكلنا" أو "أبشر"، فإنها قد تتحول إلى وسيلة مريحة لدفع الرسوم والفواتير الرسمية. وحتى في السفر، ستوفر "غوغل باي" بفضل دعم بطاقات "مدى" تجربة سلسة تتيح الدفع في الخارج دون الحاجة لحمل محافظ متعددة، وهو ما يعزز سهولة الاستخدام والراحة للمستهلك المحلي. اهتمام "غوغل" بسوق بحجم السعودية، رغم أن عدد سكانها يقارب 35.5 مليون نسمة فقط، يرتكز على عوامل جوهرية. فالقوة الشرائية المرتفعة تجعلها من بين أكثر أسواق المنطقة جذبا، بينما التحول الرقمي المتسارع، وارتفاع نسبة المدفوعات الإلكترونية، يوفران بيئة مثالية لتبني حلولها المالية على المدى القريب، قد يظهر "غوغل باي" في السعودية كأداة دفع رقمية بسيطة، لكنه يحمل إمكانات للتطور إلى منصة مالية متكاملة. تجارب "غوغل" في أسواق أخرى، مثل الهند، أظهرت كيف يمكن أن يتوسع التطبيق ليشمل تحويل الأموال بين الأفراد، دفع الفواتير، وحتى خدمات تأمينية صغيرة. وفي السياق السعودي، من المرجح أن نرى إطلاق محفظة رقمية متعددة الاستخدامات تضم بطاقات الولاء والاشتراكات، إلى جانب تكامل مع منصات التجارة الإلكترونية الكبرى مثل "نون" و"أمازون". كما أن إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يفتح الباب أمام خدمات أكثر تخصيصا، كتحليل أنماط الإنفاق وتقديم نصائح مالية موجهة، مما يجعل "غوغل باي" يتجاوز فكرة كونه بديلا للمحفظة التقليدية ليصبح أداة لإدارة الحياة المالية اليومية. إذا كان دخول "غوغل باي" للسعودية خبرا تقنيا بحتا، فإن وصول "علي باي+" يحمل بعدا يتجاوز التكنولوجيا إلى السياسة والاقتصاد، فـ"علي باي" ليست مجرد محفظة رقمية، بل هي رمز لصعود الصين كقوة مالية وتقنية عالمية، وجزء من مشروع أوسع يسعى إلى إعادة تشكيل البنية التحتية للدفع عالميا خارج الهيمنة الأمريكية. ولدت "علي باي" في 2004 كخدمة بسيطة من مجموعة "علي بابا" لتأمين معاملات موقعها التجاري. خلال عقدين فقط، تحولت إلى أكبر منصة دفع رقمي في العالم بأكثر من مليار مستخدم نشط، معظمهم في الصين. لاحقا، انفصلت الخدمة تحت شركة "آنت غروب"، التي أصبحت عملاقا تقنيا-ماليا يجمع بين المدفوعات، القروض الصغيرة، وإدارة الثروات. ومع توسعها خارج الصين، أطلقت "علي باي+" – وهو مشروع يستهدف توحيد خدمات الدفع الرقمية عبر الحدود وربط محافظ محلية مختلفة تحت شبكة واحدة. على الرغم من أن المستهلك السعودي قد يرى في البداية أن "علي باي+" تشبه "غوغل باي"، فإن المنصة تحمل مزايا خاصة من الخارج، قد يبدو دخول "غوغل باي" و"علي باي+" إلى السوق السعودية مجرد إضافة خدمات دفع جديدة، لكنه في العمق يعكس صراعا استراتيجيا على عقل وجيب المستهلك بين ثلاث قوى كبرى، "آبل"، و"غوغل"، والصين المكاسب السعودية من دخول "علي باي+" لا تقتصر على تسهيل تجربة السياح فقط. بل هناك فوائد أعمق، منها تنويع قنوات الدفع وتقليل الاعتماد على البنية الغربية وحدها، وجذب إنفاق الزوار وزيادة سهولة صرف أموالهم داخل المملكة، فضلا عن تعزيز موقع السعودية كمركز مالي إقليمي قادر على استضافة لاعبين من الشرق والغرب معا. هذا التنوع يعزز مكانة المملكة بوصفها ساحة مفتوحة للتكنولوجيا المالية العالمية. من الخارج، قد يبدو دخول "غوغل باي" و"علي باي+" إلى السوق السعودية مجرد إضافة خدمات دفع جديدة، لكنه في العمق يعكس صراعا استراتيجيا على عقل وجيب المستهلك بين ثلاث قوى كبرى، "آبل"، و"غوغل"، والصين إذ يشبه المشهد لعبة نفوذ عابرة للمال والتقنية، تمتد آثارها إلى الثقافة اليومية وسلوك المستهلك السعودي. على الجانب الآخر، تراهن "غوغل" عبر "غوغل باي" على الغالبية الصامتة من مستخدمي "أندرويد"، وهم الشريحة الكبرى في المجتمع السعودي، خصوصا في المدن الثانوية والمناطق الأقل حظا. دخول "غوغل" بهذا الشكل أشبه بفتح بوابة أمام سوق كامنة لم يجد بعد وسيلة دفع رقمية سلسة ومتكاملة. وهكذا، تحاول "غوغل" أن تملأ فراغا واسعا تركته هيمنة "آبل" على السوق المتميزة. رغم الصورة البراقة التي ترافق إطلاق "غوغل باي" "علي باي+" في السعودية، فإن الوجه الآخر لهذه الثورة الرقمية يكمن في تحديات الأمن السيبراني وحماية الخصوصية وسيمتد تأثير هذه المنافسة الثلاثية إلى السوق ككل، فالمستهلك سيستفيد من رسوم أقل وعروض أكثر وتنوع في التجارب، بينما يواجه التجار خيارات أكثر تعقيدا لكنها تتيح لهم جذب شرائح مختلفة من العملاء. أما الاقتصاد الوطني، فقد يشهد تسريعًا في تحقيق هدف "رؤية 2030" بالوصول إلى 70% من المدفوعات غير النقدية، لكن مع تحديات جوهرية مرتبطة بسيادة البيانات وضمان استقلال القرار المالي المحلي. وعلى أعتاب 2030، يمكن تصور سيناريوهات محتملة. قد تحتفظ "آبل" بهيمنتها في شريحة النخبة والمدن الكبرى، بينما تنتشر "غوغل" في القاعدة الشعبية لتصبح العمود الفقري للمدفوعات اليومية، فيما تواصل "علي باي+" لعب دورها في السياحة والتجارة الدولية، كما أن هناك احتمال تدخل الدولة لدعم المحافظ المحلية لضمان توازن القوى وعدم ترك المجال مفتوحا بالكامل أمام اللاعبين الأجانب. في جميع الأحوال، المنافسة الدائرة اليوم ستحدد ليس فقط طريقة الدفع في السعودية، بل أيضا شكل الارتباط بين المستهلك السعودي والعالم الرقمي بأسره. رغم الصورة البراقة التي ترافق إطلاق "غوغل" باي و"علي باي+" في السعودية، فإن الوجه الآخر لهذه الثورة الرقمية يكمن في تحديات الأمن السيبراني وحماية الخصوصية. فكلما ازدادت سرعة وسلاسة المعاملات، ارتفعت معها الحاجة إلى أنظمة دفاعية أكثر تعقيدا في مواجهة الاحتيال والاختراق. بحلول عام 2030، يتوقع أن تصبح السعودية واحدة من أكثر الأسواق نضجا في العالم في مجال المدفوعات الرقمية، مدفوعة برؤية 2030 التي تستهدف تقليص الاعتماد على النقد وتعزيز الاقتصاد غير الملموس التحدي لا يقف هنا، بل يمتد إلى الموازنة بين الراحة والأمان. فالمستهلك عادة يميل إلى الحل الأسرع والأبسط، لكنه قد يفتح بذلك ثغرات خطيرة، فقد تكفي كلمة مرور ضعيفة، أو استخدام شبكة "واي فاي" عامة لدفع فاتورة لفتح الباب أمام الاختراق، لذلك يقع العبء على الشركات لتطوير أنظمة أمان تكون قوية تقنيا لكنها غير مرهقة للمستخدم، مثل الاعتماد على بصمة الإصبع والتعرف الى الوجه، أو تشغيل خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على إيقاف معاملة مشبوهة في أقل من ثانية. ويبقى بعد آخر أكثر استراتيجية، وهو السيادة الرقمية. فالاعتماد الكامل على شركات أجنبية مثل "غوغل" أو "علي بابا" قد يترك ثغرات خطيرة. فماذا لو استضافت البيانات على خوادم خارجية تخضع لقوانين دول أخرى؟ أو لو عطلت توترات جيوسياسية الخدمات داخل المملكة؟ لهذا، فإن بناء بنية تحتية سيبرانية محلية، وتشجيع شركات سعودية ناشئة في مجال الأمن الرقمي، يمثل صمام أمان لضمان أن مفاتيح النظام المالي تبقى داخل البلاد. بحلول عام 2030، يتوقع أن تصبح السعودية واحدة من أكثر الأسواق نضجا في العالم في مجال المدفوعات الرقمية، مدفوعة برؤية 2030 التي تستهدف تقليص الاعتماد على النقد وتعزيز الاقتصاد غير الملموس. فمع انتشار محافظ مثل "غوغل باي" و"علي باي+" جنبا إلى جنب مع حلول محلية كـ"مدى باي".
مشاركة