إن الأسرة، على مر العصور، كانت وما زالت الركيزة الأولى لبناء المجتمعات واستقرارها، والحصن الأمين لقيم الخير والفضيلة، والمأوى الآمن للفطرة السليمة، والميدان الأول للتربية والرحمة والتكافل

ومع تدفق المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة، تواجه الأسرة اليوم تحديات كبيرة، ومن أبرزها ظاهرة بقاء الزوج والزوجة في بيت والد الزوج بعد الزواج

ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى دراسة هذه الظاهرة بعين الحكمة، واستنباط الحلول الشرعية والتربوية التي تحفظ توازن الأسرة، وتحقق مصلحة الجميع

فالعيش مع الأسرة الممتدة يقيد حرية الزوجين في إدارة شؤون حياتهما اليومية واتخاذ قراراتهما الخاصة، مما يضعهما تحت ضغط مستمر، ويحدّ من تنمية شخصيتهما المشتركة

غياب استقلالية الزوجين قد ينعكس على أسلوب تربية الأبناء، حيث يصبح اعتماد الأطفال على أسلوب الأسرة الممتدة أكبر، مما يقلل من اكتسابهم للتجارب الحياتية المباشرة من أبويهم

تباين الرؤى بين الزوجين والوالدين في الأمور اليومية أو المالية أو التربوية قد يؤدي إلى نزاعات متكررة، ويضعف انسجام الأسرة ووتيرة تفاعلها الصحي

العجز عن اتخاذ القرارات بحرية يولد ضغطًا نفسيًا، ويضعف الثقة المتبادلة، ويحد من تنمية العلاقة الزوجية على أسس صحيحة

التدخل المستمر يقلل من المودة والرحمة، ويؤثر في استقرار الحياة الزوجية، وقد يولّد شعور كل طرف بعدم الراحة والانتماء الكامل للعلاقة

الاستقلالية السكنية تمنح الزوجين القدرة على تربية أبنائهما وفق أسلوبهما الخاص وقيمهما الأصيلة، وهو ما قد يُعرقل جزئيًا عند البقاء في بيت الأب

الإسلام يقدّر الخصوصية الزوجية، ويحرص على حماية الأسرة من التدخلات الخارجية، مع تأكيد التوازن بين البر بالوالدين والحفاظ على علاقة زوجية مستقرة

ضرورة وضع حدود واضحة بين الزوجين والأسرة الممتدة، والاتفاق على احترام استقلالية الزوجين، مع تعزيز روح الحب والاحترام المتبادل

إذا تعذر الانتقال فورًا لظروف مالية أو اجتماعية، يمكن التخطيط للانتقال التدريجي إلى مسكن مستقل بما يحقق الاستقلالية دون الإخلال بالروابط الأسرية

الحوار البنّاء والمرونة في التعامل بين الزوجين والأسرة الممتدة يخفف التوتر، ويقوي أواصر المحبة، ويجعل من الأسرة نموذجًا حيًّا للاستقرار والتآلف

والوعي بهذه التحديات والالتزام بالحلول الشرعية والتربوية يمكّن الأسرة من بناء كيان قوي ومستقر، قادر على تربية أجيال صالحة، ومجتمع متماسك على هدي الشريعة السمحة

فالأسرة التي تحقق التوازن بين الاحترام للوالدين والاستقلالية الزوجية، هي اللبنة الصلبة التي يُبنى عليها مجتمع صحي ومستقر، محفوظ من الفوضى ومترابط في قيمه

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.