مشاركة
على الاتحاد الأوروبي التخلي عن تردده التاريخي والانقسام الداخلي، واعتماد خطة موحدة وفعالة لإنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، من خلال استثمار نفوذه المالي والسياسي ودعمه للعدالة الدولية، بما ينسجم مع قيمه ومصالحه الحيوية في المنطقة. وبقية العالم، أصبح الفشل في تأمين سلام دائم يتمتع فيه كل من الإسرائيليين والفلسطينيين بحق تقرير المصير أمراً مكلفاً للغاية. ومع اقتراب القرن الـ20 من نهايته، اكتفى الاتحاد الأوروبي بلعب دور "الوسيط المحايد" –ظاهرياً– تاركاً للولايات المتحدة زمام المبادرة في عملية أوسلو، مكتفياً بتقديم دعم غير كاف للسلطة الفلسطينية، وتحويل نفسه إلى وجهة مفضلة للسياحة والصادرات الإسرائيلية. وأسهم هذا الموقف في تأبيد المشكلة، إذ أدار الأوروبيون ظهورهم لانتهاكات المستوطنين والجنود الإسرائيليين لحقوق الفلسطينيين، وتجاهلوا تطلعات الفلسطينيين المشروعة. لا يمكن لأوروبا أن تظل "الطيب الساذج" في هذه المأساة، توزع الأموال وعيونها مغمضة. منذ السابع من أكتوبر، استخدم الاتحاد الأوروبي أدواته التقليدية داخل المنطقة التي تراوح من الوسائل الاقتصادية إلى الخطاب المعياري، ولكن على نحو حذر ومن دون اتساق. فقد زاد الاتحاد من مساعداته لغزة بصورة كبيرة، إذ تعهد بتقديم نحو 125 مليون دولار عام 2024، بما في ذلك من خلال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والهلال الأحمر، ولكن دون ضمانات كافية بأن هذه المساعدات ستصل إلى المستهدفين بها. ودعا مرة تلو أخرى إلى وقف إطلاق النار واحترام القانون الدولي. وأصدر أحدنا، بوريل، عدداً من البيانات التي دان فيها هجمات "حماس" القاتلة وردود الفعل الإسرائيلية غير المتناسبة تماماً عليها. إن الخبرة التي راكمها الاتحاد الأوروبي على مدار عقود في التوصل إلى تسويات سلمية بين خصوم الأمس، بطريقة تقوم على فلسفة الاعتراف المتبادل ورفض الهيمنة، تضفي على الاتحاد أهمية خاصة. كما أن لديه الأدوات العملية اللازمة لأداء دور أكثر محورية في صنع السلام داخل الشرق الأوسط. وللحصول على فهم كامل لهذا النفوذ، ستحتاج دائرة العمل الخارجي الأوروبية، وهي الوكالة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي، إلى تفعيل عدد من القرارات التي طرحها مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على مر الأعوام، إضافة إلى المبادئ التوجيهية التي وضعتها مفوضية الاتحاد الأوروبي لاستراتيجية شاملة للشرق الأوسط 2024-2029. وللوفاء بهذه المناشدات، سيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يستخدم بصورة كاملة مجموعة الأدوات القانونية والمالية والتجارية والسياسية والتنظيمية المتاحة له، بغية التأثير في وسائل الضغط ونقاطه الحالية. يمتلك الاتحاد الأوروبي نفوذاً هائلاً لكنه لم يجرؤ حتى الآن على استخدامه بفاعلية. وإلى حد ما، فإن لهذا مبرراته التاريخية، بالنظر إلى السجل الطويل للقارة في مجال إساءة استخدام السلطة. ولكن عندما يتعلق الأمر بحماية قيمهم الأساس ومصالحهم الحيوية من التهديدات الخارجية، يجب ألا يتردد الأوروبيون في استخدام نفوذهم بصورة جيدة. على الاتحاد الأوروبي أن يساعد في تصميم سلطة انتقالية دولية لغزة وتمويلها ريثما تُنقل السلطة إلى أهل القطاع وعملياً، وحين يصبح الوقت مناسباً، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يدعم عقد "جمعية مواطنين من أجل السلام" تضم مجموعة مختارة عشوائياً من الإسرائيليين والفلسطينيين، يجتمعون على أرض محايدة لأشهر عدة من أجل رسم طريق نحو السلام. وبدأت أوروبا في تنظيم مثل هذه الجمعيات خلال العقد الماضي، وحققت نتائج واعدة. وآن الأوان لإعطاء شعوب الشرق الأوسط دوراً أكبر في رسم مستقبلهم بأنفسهم. علاوة على ذلك، لم يتخذ الاتحاد الأوروبي أي إجراء حتى الآن في مواجهة جرائم الحرب الإسرائيلية داخل غزة. ويؤدي هذا الضغط غير المتوازن في النهاية إلى تقوية المخربين على جانبي الصراع. فالمتطرفون الذين يفلتون من العقاب يشعرون بالتبرير والتشجيع، أما الذين يتعرضون للضغط، فيستغلونه لكسب تعاطف قواعدهم الشعبية. يمكن للاتحاد الأوروبي توجيه رسالة قوية إلى حكومة إسرائيل ومواطنيها بتعليق الأحكام التجارية لاتفاق الشراكة بين الطرفين يعد الاتساق أمراً بالغ الأهمية في عالم السياسة المليء باتهامات بازدواجية المعايير. ولا يمكن للاتحاد الأوروبي فرض حظر على استيراد المنتجات من المناطق التي تحتلها روسيا داخل أوكرانيا، والتهرب من تطبيقه على منتجات المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية. كما لا يمكن للاتحاد الأوروبي دعوة الدول الأخرى إلى احترام مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والإعلان خلال الوقت نفسه عن عدم تنفيذ مذكرة التوقيف نفسها ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي يمكن للاتحاد الأوروبي تصحيح هذا الوضع، إذ يستطيع، على سبيل المثال، إلغاء إعفاءات التأشيرات لسكان المستوطنات، وتطبيق حظر دخول فردي على نطاق منطقة شينغن. في الواقع، بفرض متطلبات التأشيرة على فلسطينيي الضفة الغربية فحسب، وليس على المستوطنين الذين يعيشون هناك، يصبح الاتحاد الأوروبي متواطئاً في نظام أشبه بنظام الفصل العنصري. والأهم من ذلك، يمكن بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهي الإطار القانوني المركزي الذي يحكم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل منذ عام 2000. وتوفر المادة الثانية من هذه الاتفاق أساساً قانونياً لإعادة النظر في بنود الاتفاق رداً على انتهاكات حقوق الإنسان. وأثبت تحقيق أجراه أخيراً مبعوث الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان حصول هذه الخروق بوضوح. وانضمت 17 دولة عضو إلى إيرلندا وإسبانيا في الدعوة إلى إعادة تقييم الاتفاق. إن خطاب الكراهية، والتحريض والخطاب العنصري، علاوة على التضليل الإعلامي والتلاعب بالروايات على الإنترنت تغذي كلها نزعة معاداة السامية، وأيضاً كراهية العرب والمسلمين. يتمتع الاتحاد الأوروبي بالفعل بسلطات تنظيمية قوية على شركات التواصل الاجتماعي، ويمكنه بذل مزيد من الجهود لتفكيك غرف الصدى الرقمية [صفحات على الإنترنت وتحديداً التواصل الاجتماعي يعيش المرء فيها في فقاعة من الآراء التي يتبناها] من خلال إلزام هذه الشركات بالكشف عن خوارزمياتها وتكييفها. كثيراً ما نسمع حجة تقول إنه "لا يمكن وضع دولة ديمقراطية على قدم المساواة مع جماعة إرهابية". من حيث المبدأ، يبدو هذا منطقياً تماماً. لكن عندما يتصل الأمر بسيادة القانون، فإن حجة عدم التكافؤ تنهار. هناك سبب لكون العدالة معصوبة العينين، ولماذا يكون الجانبان متساويين مع بعضهما بعضاً، ولماذا ينبغي أن تكون المحاكم مستقلة عن السياسة. ينبغي على القضاة أن يعاينوا الفعل لا الفاعل. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يوضح بصورة أكبر أنه لن يتسامح مع محاولات ترهيب المحاكم الدولية. فالتهديدات والعقوبات الأخيرة ضد مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة تشكل تحدياً مباشراً للنظام القانوني متعدد الأطراف الذي يدعي الاتحاد الأوروبي أنه يدعمه. الأزمة الإسرائيلية-الفلسطينية أظهرت مدى سهولة شل قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات حاسمة في شأن القضايا الخلافية هو النائب السابق لرئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي والممثل السامي للاتحاد، ووزير الخارجية الإسباني السابق. تشغل كرسي الأستاذية في الشؤون الدولية بكلية فلورنسا للحوكمة العابرة للحدود في المعهد الجامعي الأوروبي. وعملت سابقاً في جامعات هارفرد وأكسفورد والمدرسة الوطنية للإدارة، وقدمت استشارات لهيئات الاتحاد الأوروبي، وهي مؤلفة مشاركة لكتاب "دليل المواطن لسيادة القانون".
مشاركة