مشاركة
في بلد أنهكته الحرب وتفككت فيه مؤسسات الدولة، وسط نزوح جماعي وتدهور للأوضاع الصحية والمعيشية، أعلنت قوات الدعم السريع تشكيل حكومة جديدة، في خطوة اعتبرها كثيرون تحديا مباشرا لشرعية الحكومة المدعومة من الجيش، لا سيما وأن التشكيلة ضمّت شخصيات يُفترض أنها تمثل مناطق لا تخضع لسيطرة الدعم السريع. أثار الإعلان جدلا واسعا، خاصة مع تعيين الناشط في المجال الإنساني، فارس النور، حاكما للخرطوم، ومبروك مبارك سليم، رئيس حزب “الأسود الحرة” لإدارة إقليم الشرق، وصالح عيسى للإقليم الأوسط، وأبو القاسم الرشيد لشمال السودان، وحمد محمد حامد لإقليم كردفان. توزيع جغرافي للسلطة أثار تساؤلات حول مدى واقعية هذا التمثيل، إذ إن معظم هذه المناطق، وعلى رأسها الخرطوم، تقع تحت سيطرة الجيش. أم أن الهدف هو إضفاء طابع “وطني” على كيان سياسي ما زال يتحرك من خارج حدود الدولة المركزية؟ الأحد، أعلن محمد حمدان دقلو (حميدتي) من مدينة نيالا، غربي السودان، تشكيل ما سمّاه “مجلس القيادة لتحالف السودان التأسيسي”، ليكون كيانا سياسيا موازنا للسلطة القائمة في الخرطوم. وقد تراوحت ردود الفعل على مواقع التواصل بين مؤيد يعتبر الخطوة سدا للفراغ في الحكم، ومعارض يحذّر من خطر تقسيم البلاد. وفي تعليق لموقع قناة “الحرة”، قال اللواء أمين إسماعيل مجذوب، القائد السابق في الجيش السوداني إن “هذه الحكومة لا تملك قاعدة شعبية، ولا كتلة حيوية، ولا تحكم شعبا فعليا، كما أنها لا تحظى بأي دعم محلي أو إقليمي أو دولي.” ورأى أما الصحفي السوداني زهير السراج، أن إعلان حكومة الدعم السريع لم يكن مفاجئا، “بل كان متوقعا منذ الشهور الأولى للحرب بعد فشل مفاوضات جدة، واحتلال الدعم السريع لمعظم أقاليم دارفور التي تشكل الحواضن القبلية لهذه القوات”. وأضاف أن هذه الخطوة جاءت نتيجة لتصاعد الخطاب العنصري من الطرفين، وتصاعد الصراعات العسكرية في السودان منذ الاستقلال، وتراكم الغبن التاريخي لدى سكان الهامش، ووجود دعوات انفصالية سابقة من بعض أطراف الحركة الإسلامية. وأشار إلى أن إعلان الجيش تشكيل حكومة لإدارة البلاد كان دافعا مباشرا لإقدام الدعم السريع على خطوة مماثلة في المناطق الواسعة التي يسيطر عليها عسكريا. منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023، فشلت جميع محاولات وقف إطلاق النار وتعثر مسار التفاوض، مع استمرار تفاقم المعاناة بالنسبة للمدنيين، واتساع رقعة النزوح الداخلي. وفي تحول ميداني مهم، انسحبت قوات الدعم السريع مؤخرا من العاصمة الخرطوم نحو الغرب، ما مكّن الجيش من فرض سيطرته تدريجيا على معظم الشمال والشرق والجنوب. وردا على هذا التراجع، تحركت قوات الدعم السريع سياسيا بتشكيل كيان يضم قيادات عسكرية ومدنيين، بينهم شخصيات بارزة من الحركات المسلحة. لكن هذه الخطوة قوبلت برفض واسع، إذ عدّها اللواء مجذوب “انتهاكا لوحدة البلاد”، مؤكدا أن المجتمع الدولي، ممثلا بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، يرفض أي محاولة لإقامة سلطة موازية أو تقسيم السودان بطرق لا تستند إلى الشرعية الدولية. كما شدد الصحفي زهير السراج على أن احتمالات نيل هذه الحكومة أي اعتراف خارجي أو داخلي تبقى محدودة جدا، بسبب طبيعتها القَبَلية، واختيار شخصياتها الثلاث الأساسية، وهم حميدتي رئيس المجلس السيادي، ونائبه عبد العزيز الحلو، ومحمد حسن التعايشي رئيس الوزراء المكلف، الذين ينتمون جميعهم لقبائل من غرب السودان، ‘دارفور وجنوب كردفان’”. يُنظر إلى التشكيل الجديد كخطوة استباقية لأي تسوية دولية محتملة قد تُقصي الدعم السريع من المشهد. هذا ما أكده اللواء مجذوب، مشيرًا إلى اجتماع مرتقب للرباعية الدولية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، الإمارات) في واشنطن، والذي قد يعيد التأكيد على الاعتراف بالحكومة الشرعية فقط، أو يسفر عن اتفاق سلام بين الجيش والدعم السريع، ما قد يؤدي إلى تفكك الحكومة الموازية وانخراط قادتها في مسار تفاوضي بديل. استحضرت هذه التطورات سيناريوهات دول مثل اليمن وليبيا، حيث تتنازع حكومتان الشرعية والسيطرة. ورأى الجيش السوداني في الخطوة “تجاوزا أمنيا وسياسيا خطيرا”، فيما انقسمت القوى المدنية بين من يرى فيها محاولة لفرض أمر واقع، ومن يعتبرها محاولة لإعادة بناء الدولة بعد انهيار مؤسساتها. دوليا، لم تصدر حتى الآن مواقف رسمية من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة. إلا أن التصريحات غير الرسمية في وسائل إعلام غربية أبدت “قلقا بالغا” من احتمال تفجّر السودان إلى كيانات متناحرة، وضياع فرصة التوصل إلى تسوية شاملة. شبكة الشرق الأوسط للإرسال MBN مؤسسة غير ربحية يمولها الكونغرس من خلال هبة مقدمة من الوكالة الأميركية للإعلام العالمي، وهي وكالة حكومية مستقلة. توفر الشبكة منبرا لتبادل الآراء والأفكار، وتقدم أخبارا ومعلومات موضوعية ودقيقة لجمهورها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتنقل صورة حقيقية عن الولايات المتحدة وسياساتها، وعن الشعب الأميركي، دعماً للحريات العالمية.
مشاركة