مشاركة
لم يكن جمشيد، المواطن الإيراني من طهران، يتوقع أن تنتهي رحلته القصيرة مع ابنته إلى السوق باعتقالها. يقول للحرة: “كنت عائدا برفقة ابنتي من السوق.. أوقفوا السيارة، فتشونا ودققوا في هواتفنا، ومن ثم ألقوا القبض على ابنتي بشكل مفاجئ”. لم تنفع محاولات الأب المتكررة معرفةَ مكان ابنته. علم لاحقاً أنها نُقلت إلى مقر “الاطلاعات” (المخابرات) مع آخرين، بتهمة التعاون مع إسرائيل. لا تتجاوز ابنة جمشيد الثامنة عشرة من عمرها. وهي ليست الشخص الوحيد الذي اعتقلته طهران في الفترة الأخيرة. تقول إحصائيات حصلت عليها “الحرة” من منظمة “هانا” لحقوق الإنسان. وهي منظمة إيرانية كردية، إن السلطات الإيرانية اعتقلت أكثر من 1000 شخص في مختلف أنحاء البلاد في الأسبوعين الأخيرين من شهر يونيو. منظمة “هانا” تقول أيضا إن السلطات الإيرانية أعدمت 3 سجناء أكراد في سجن أرومية المركزي، في 24 يونيو، بنفس التهمة. لم تكن الأيام الماضية التي أعقبت وقف إطلاق النار، بالنسبة لكثير من الإيرانيين، أقل قسوة من الحرب بين بلادهم وإسرائيل. عناصر الحرس الثوري الإيراني والأجهزة الأمنية التابعة للنظام (الاستخبارات العامة وقوات الباسيج) لم تتوقف عن مداهمة البيوت واعتقال الإيرانيين بتهمة التجسس والتعاون مع إسرائيل. شملت الحملة جميع المدن، وتركزت في طهران، والمدن الكردية، وأصفهان، وشيراز، والأحواز، وسيستان وبلوشستان. وسط هذه الإجراءات الأمنية المشددة، أجرت “الحرة” محاولات عديدة للتواصل مع إيرانيين في الداخل لتسليط الضوء على حملة الاعتقالات الواسعة التي يواصل النظام شنها منذ أكثر من أسبوعين تحت اسم “مناورات حراس الأمن”. “كنا نخشى من التعرض للقصف الذي كان يستهدف قواعد حرس الثوري في المدينة، لكن فجأة داهمت قوة من الحرس المنزل، واعتقلت زوجي وابني”، تقول السيدة الإيرانية. “التواصل مع إسرائيل” هي التهمة التي كانت تتردد على لسان الكل. لكن آرزو ترفض ذلك تماما، وتقول إن زوجها يعمل في معمل لتعليب الأغذية، وابنها طالب في المرحلة الإعدادية، ولا علاقة لهما بالسياسة. وفق منظمة “هانا”، شملت الاعتقالات حتى الآن مدنا كردية مختلفة مثل كرمانشاه (حيث تقطن آرزو)، ومهاباد، وبوكان، واشنويه، وساقز، وبيرانشهر، وأرومية وغيرها. يقول رئيس المنظمة، حميد بهرامي لـلحرة: “هناك نقاط تفتيش في المدن توقف الشباب وتفتش هواتفهم الجوالة بحثا عن أي شيء يربطهم بخارج البلاد ليلقى القبض عليهم فورا”. ويضيف بهرامي أن عائلات السياسيين المناهضين للنظام والعائلات التي لديها أقارب خارج إيران تلقت خلال الأيام الماضية تهديدات من قبل جهاز الاستخبارات الإيراني. في الواقع، تطبق طهران منذ سنوات قيودا صارمة ورقابة أمنية على الإنترنت في البلاد. وغالبا ما يلجأ الإيرانيون إلى استخدام برامج وتطبيقات خاصة من أجل تخطي الحجب. اتهمت السلطات 35 يهودياً إيرانيا على الأقل بالتواصل مع إسرائيل، حسب منظمات حقوقية، أفرج عن أغلبهم لاحقا. يقول هارونيان: “منذ منتصف الحرب، بدأت قوات الأمن باعتقال الناس وفحص هواتفهم وأجهزة الحاسوب الخاصة بهم للتحقق من صلتهم بإسرائيل”. ويضيف: “بلغ عدد اليهود الإيرانيين، بحسب المعلومات التي وصلتني، 35 يهوديا، أطلق فيما بعد سراح غالبيتهم، ولم يتبق منهم سوى 5 معتقلين”. هارونيان يشدد: “يهود إيران يخشون النظام عمومًا، وقد استخدمهم كثيرًا للدعاية، لذلك يتجنبون الظهور ويضطرون إلى اتباع الحكومة خشية التعرض للقمع”. يدرج القانون أي تعاون استخباراتي أو تكنولوجي أو مالي مع هذه الأطراف ضمن جريمة “الإفساد في الأرض”، التي يعاقب عليها بالإعدام. ويعاقب أيضا من يرسل فيديوهات أو صوراً “تُضعف الروح المعنوية” بالسجن والفصل من الوظائف العامة. بالتزامن مع القانون الجديد، دعا رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي إلى محاكمة “سريعة” للمعتقلين الذي يتهمون بالتعاون مع إسرائيل، قائلاً إنه يجب “معاقبتهم بما يتناسب مع ظروف الحرب”. المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو إحدى أعلى سلطات صنع القرار في إيران، قال هو الآخر إن “أي عمل لصالح إسرائيل سيواجه برد حاسم وأشد العقوبات”، وهي الإعدام، بموجب تهمتي “الحرابة” و”الإفساد في الأرض”. في 20 يونيو، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً دعت فيه طهران إلى وقف الإعدامات، وحماية المعتقلين من “الاختفاء القسري والتعذيب”. حسين بيومي، نائب مديرة المكتب الإقليمي للمنظمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قال إن “السلطات الإيرانية تستخدم عقوبة الإعدام كسلاح لتأكيد سيطرتها وزرع الخوف في نفوس الشعب الإيراني”. وطالب “السلطات الإيرانية بأن توقف جميع خطط تنفيذ عمليات الإعدام التعسفي، وأن تحمي جميع المعتقلين على خلفية اتهامات بالتجسس لصالح إسرائيل من الاختفاء القسري والتعذيب”. كان لافتا خلال هذه الحرب، الدور الحاسم للعمليات الاستخباراتية التي نفذها “الموساد” الإسرائيلي داخل الأراضي الإيرانية. بحسب الناشط الكردي الإيراني المعارض، كيارش شاسواري، فإن طهران ترى أن الحرب الاستخباراتية ستبقى مستمرة حتى مع وقف إطلاق النار. وهي تتخوف أن تتطور الأمور لاحقاً إلى حرب اقتصادية واحتجاجات شعبية. لهذا يتخذ النظام إجراءات استباقية لمنع اندلاع أي ثورة محتملة. شاسواري يقول إن الحرس الثوري والباسيج نفذا، خلال أيام الحرب وبعدها، عمليات قمع واسعة داخل إيران، شملت اعتقال أكثر من ألف شخص، من بينهم 300 كردي، بتهم التجسس لصالح إسرائيل. وقال إن النظام يركز حملاته على الأقليات العرقية والدينية، متهماً إياهم بالتواصل مع جهات معادية. اختراق الموساد لإيران ليس جديداً، يقول الناشط الكردي المقيم في أوروبا، فقد تصاعد منذ 2018 مع سرقة الأرشيف النووي الإيراني، واغتيال العالم محسن فخري زاده عام 2020، وهي العملية التي تتهم طهران إسرائيل بتنفيذها. وفي الحرب الأخيرة، استهدفت إسرائيل منشآت عسكرية إيرانية واغتالت أكثر من 30 مسؤولاً أمنيا كبيرا وخبيرا نوويا إيرانيا. وكان الرد الإيراني على “حرب الظل” هاته حملة اعتقالات ضد المعارضين والصحفيين والأقليات، وتنفيذ إعدامات من دون محاكمات، بذريعة التعاون مع إسرائيل. شبكة الشرق الأوسط للإرسال MBN مؤسسة غير ربحية يمولها الكونغرس من خلال هبة مقدمة من الوكالة الأميركية للإعلام العالمي، وهي وكالة حكومية مستقلة. توفر الشبكة منبرا لتبادل الآراء والأفكار، وتقدم أخبارا ومعلومات موضوعية ودقيقة لجمهورها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتنقل صورة حقيقية عن الولايات المتحدة وسياساتها، وعن الشعب الأميركي، دعماً للحريات العالمية.
مشاركة