مشاركة
بداية وجبت الإشارة إلى أن انفتاح وزارة الداخلية على مقترحات الأحزاب بشأن تعديل القوانين الانتخابية، يأتي في إطار الأجرأة الفعلية للتعليمات الملكية السامية الموجهة لوزير الداخلية قصد فتح مشاورات مع مختلف الفرقاء السياسيين بشأن المنظومة القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية، حيث أكد جلالته على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها الدستوري، والتشديد على ضرورة اعتماد المنظومة المؤطرة لها قبل متم السنة الجارية، وهو ما يبين حرص المؤسسة الملكية على ترسيخ دعائم المسلسل الديمقراطي، وتعزيز مشروعية وشرعية المؤسسات التمثيلية في انسجام تام مع مقتضيات الفصل 11 من الدستور، الذي يجعل من الانتخابات الحرة والنزيهة أساسا للتمثيل الديمقراطي وأيضا تفعيلا للمقاربة التشاركية. وفي هذا السياق بادرت جميع الأحزاب السياسية بإعداد مذكرات لهذه الغاية، بعضها نشرها للعموم، كما هو الشأن بالنسبة لحزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، بينما بعض الهيئات السياسية الأخرى لم تنشرها بعد، ولكن قدمت جزء من تفاصيلها عبر تصريحات زعمائها التي بسطت الخطوط العريضة التي سيتم تضمينها في مذكراتها المرفوعة لوزارة الداخلية. من خلال تتبع تصريحات زعماء بعض الأحزاب السياسية، يلاحظ أن هناك إشادة كبيرة بمضامين الخطاب الملكي السامي وبالتعليمات الموجهة لوزير الداخلية، لما تضمنته من طمأنة صريحة لجميع الفاعلين السياسيين، أغلبية ومعارضة بخصوص نزاهة المسار الانتخابي، من خلال إشراف المؤسسة الملكية على حسن سيره ونزاهته انطلاقا من الأدوار الدستورية التي يضطلع بها الملك كرئيس للدولة، وضامن لاحترام الدستور وحكم أسمى بين المؤسسات طبقا للفصل 42 من الدستور، وهو ما يشكل إشارة صريحة لكل الفاعلين مفادها أن المؤسسة الملكية حريصة على إنجاح هذا الاستحقاق الانتخابي وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة. لكن من خلال مضامين بعض المذكرات التي تم نشرها لحد الآن وأيضا استنادا لتصريحات زعماء بعض الأحزاب، يظهر أن الفرقاء السياسيون يضعون نزاهة وشفافية الاستحقاقات التشريعية لعام 2026 في سلم الأولويات، ويؤكدون عزمهم على الانخراط الفَعَّال من أجل إنجاح هذا التمرين الديمقراطي بروح من المسؤولية والتعاقد الديمقراطي، بما يكرس التراكمات المحققة ويعزز مكانة المغرب كدولة ديمقراطية رائدة بمحيطها الإقليمي والدولي، وهذا أمر محمود، بل ومطلوب أحيانا لما يقتضيه السياق الداخلي ويتطلبه السياق الخارجي أيضا. ومن جهة أخرى، فقد جرت العادة أن يثير نمط الاقتراع بمناسبة الاستحقاقات التشريعية عدة تساؤلات داخل صفوف القوى السياسية المشاركة في العملية الانتخابية والسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، خاصة نمط الاقتراع الأحادي الذي كان محط انتقادات سلبية موجهة للإدارة لكونها كانت تدعم هذا الأسلوب الذي يساهم في بروز نخب محلية من ذوي الشهرة وأصحاب المال والنفوذ والزبونية، مقابل إضعاف العامل الإيديولوجي والانتماءات السياسية والحزبية، وفي هذا الشأن ما فتئت مكونات الطبقة السياسية تطالب بتغيير هذا النمط الذي يكرس لمنطق الزبونية، لأنه يفتح المجال لسماسرة الانتخابات من ذوي النفوذ والجاه لاستمالة وشراء الأصوات. وفي هذا الإطار، تبدو أن هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في التقطيع الانتخابي بالشكل الذي يراعي الانصاف الترابي ويأخذ بعين الاعتبار التغييرات الديموغرافية التي حدثت خلال السنوات الفارطة، وهي المعطيات التي كشفت عنها نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى بين 2014 و2024، والتي أظهرت أن هناك تغيرا ملحوظا فيما يتعلق بالخريطة الديمغرافية والسكانية على مستوى عدد من الحواضر والأقاليم بمختلف جميع جهات المملكة الـ 12.
مشاركة