الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
مشاركة
تجليات أسماء الله الحسنى وأثرها في استقرار الأسرة المسلمةبقلم: د. توفيق زبادي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق ﷺ.وبعد،فإن الله I يحب أن تكون الحياةُ الأسرية موصولةَ به I في كل حال.فالمؤمن الذي سمع اللهI يقول: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء}[النساء:3]؛ امتثل أمر ربهI، واجتهد في البحث والسؤال عن المرأة ذات الدين، الجميلة، العفيفة، ولما سمع رسول الله ﷺ  يقول «انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»([1])،  أي نظرًا تحصُلُ الأُلْفةُ والمحبَّةُ؛ امتثل لنصيحة رسول الله ﷺ ، ولما سمع اللهI يقول  {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النساء:4]، امتثل لأمر ربهI، فأعطى زوجته مهرها عن طيب نفس، ولما بدأ حياتهما الأولى في أول لقاء بينهما سمع اللهI يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[ البقرة:228]؛ فامتثل أمر ربهI؛ فتزَّين لزوجته كما تتزين له، وسمع قول النبي ﷺ (أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ)؛ فلاعب زوجته وهيئها لقضاء الشهوة، وسمع رسول الله ﷺ يقول: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا"؛ ورزقهما الله الولد، وسمع رسول الله ﷺ يقول: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»؛ فامتثل لنصيحة رسوله ﷺ وسمَّى ابنه عبد الله.فهو مع الله في كل حال من أحوال حياته الزوجية.معنى التجلي في اللغة والاصطلاح:جلو:وَهُوَ انْكِشَافُ الشَّيْءِ وَبُرُوزُه([2]).أصل الجَلْو: الكشف الظاهر.والتَّجَلِّي:قد يكون بالذات نحو: {وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى} [الليل: 2]، وقد يكون بالأمر والفعل، نحو: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143]([3]).تجلى الله للجبل بقدرته وسلطانه([4]).والتجلي حقيقة الظهور، وإزالة الحجاب.وقد ورد في حديث الرؤية «فَاطَّلَعَ إِلَيهِم رَبُّهُم عز وجل اطِّلَاعَةً»([5])، أي: تجلى لهم برفع حجبهم، وكلمهم مشافهة بغير واسطة، مبالغة في الإكرام، وتتميمًا للإنعام.تجليات الله بأسرار معاني أسمائه الخالق البارئ المصورعلى استقرار الأسرة المسلمةاسم الله الخالق: الناسُ قلما يتذكرون يدَ الله التي خَلَقَت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنًا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر، واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء.و(الخالق) هو المبدع للخلق، المخترع له على غير مثال سابق([6]).وقال تعالى: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1].وَهِيَ حَوَّاءُ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، خُلِقَتْ مِنْ ضِلعه الْأَيْسَرِ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ؛ فَاسْتَيْقَظَ فَرَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَنِسَ إِلَيْهَا، وَأَنِسَتْ إِلَيْهِ.وتفسير ذلك فيما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا»([7]).(لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ) أي: لن تستمر ولن تدوم على حالة واحدة مستقيمة، بل تنقلب عن حالها من الشكر إلى الكفران، ومن الإطاعة إلى العصيان، ومن القناعة إلى الطغيان.وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، وبين النبي ﷺ أنها خلقت من ضلع.ويحتمل أن يكون هذا قصد به المثل. فيكون معنى (من ضلع) أي: من مثل ضلع.وفي هذا الحديث ملاطفة النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها([8]).الحديث يدلّ على تشريف المرأة وتكريمها؛ ذلك أن المعنى في خلق المرأة من ضلع يناسب الوظيفة التي خلقها الله تعالى لها، وهي الحنو والعطف على الزوج والولد، وهذا الوصف هو أعلى ما فيها من حيث الرفعة.قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى. مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}[النجم:45-46]الله خالق الأزواج من الإنسان خلقًا بديعًا من نطفة؛ فيصير إلى خصائص نوعه، وحسبك بنوع الإنسان تفكيرًا، أو مقدرة وعملًا.التجليات الإلهية على الأسرة المسلمة:-        فمن تجليات اسم الله الخالق أن جعل الزواج: أساس التناسل، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزًا في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ.-        أن الله I جعل التناسل بالتزاوج الذي يحدث به اللذة بين الزوجين، ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه.-         وأن جعل أزواج الإنسان من صنفه، ولم يجعلها من صنف آخر؛ لأن التآنس لا يحصل بصنف مخالف.-         وأن جعل في ذلك التزاوج أنسًا بين الزوجين، ولم يجعله تزاوجًا عنيفًا، أو مهلكًا كتزاوج الضفادع.وتأمل قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}[الحشر:24]وإنما ذكرت هذه الصفات متتابعة؛ لأن من مجموعها يحصل تصور الإبداع الإلهي للإنسان؛ فابتدئ بالخلق الذي هو الإيجاد الأصلي، ثم بالبرء الذي هو تكوين جسم الإنسان، ثم بالتصور الذي هو إعطاء الصورة الحسنة، كما أشار إليه قوله تعالى{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَك}[الانفطار:7-8]، {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}[آل عمران:6].عبودية الزوجين بهذه الأسماء:1-    أن يتذكرا فضلَ اللهِ عليهما بحسن الخِلْقة، وجمال الصورة والهيئة، وأنهما خُلقا بهذا الإبداع والجمال؛ ليستمتعا ببعضهما البعض، ويتفنن كل منهما بإظهار جماله للآخر، وعندما ينظر لبعضهما يقول كل منهما تبارك الله أحسن الخالقين، وعندما ينظرا في المرآة يدعو الله بدعاء سيد الخلق، وحبيب الحق: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّى خَلْقِي فَعَدَلَهُ، وصَوَّرَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَهَا، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»([9]).2-   أن يكرم كل منهما نفسه بإبعادها عن المخالفات في العلاقة الزوجية، واتباع المحرمات، ويستفرغا جهدهما في اكتساب صفات الخير، وحسن الخُلُق مع حبيبه وقرينه؛ الذي اختاره الله له، ويدعو بدعاء النبي ﷺ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: " اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَأَحْسِنْ خُلُقِي " ([10]).فجمال خَلْق الزوجين جمال رباني، وليس جمالًا ذاتيًا.والرسالة للزوجين: جَمِّلا أخلاقكما لبعضكما كما جمَّل الله خَلْقُكما  3-   الإبداع في إدارة الحياة الأسرية بما يزيد من المحبة، والرعاية الراشدة للأولاد.4-   فهم وتقدير الصفات والطبائع المختلفة بين الزوجين، وبين الأولاد.5-   أن يمتثل لأمر رسول الله ﷺ في قوله : "ولا تضربِ الوَجهَ، ولا تُقَبِّح"([11])؛ وذلك لأنَّ الوَجهَ أعظَمُ الأعضاءِ وأشرَفُها، وأظهَرُها ومشتمِلٌ على مُعظَمِ أجزاءِ الحواسِّ. "ولا تُقبِّحِ"، أي: لا تَسُبَّها بقُبحِ الوجهِ؛ فلا تَقُلْ: قَبَّح اللهُ وجهَكِ؛ قيل: إنَّما نُهِي عن تقبيحِ الوجهِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى صَوَّر وجْهَها وجِسمَها وأحسنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَه، وذمُّ الصنعةِ يعودُ إلى مَذمَّةِ الصانعِ.ما يكره من ضرب النساء:عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَt، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ اليَوْمِ»([12]).وعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَضْرِبُنَّ إِمَاءَ اللَّهِ» ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَأْمُرْ بِضَرْبِهِنَّ، فَضُرِبْنَ، فَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ ﷺ طَائِفُ نِسَاءٍ كَثِيرٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: «لَقَدْ طَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً، كُلُّ امْرَأَةٍ تَشْتَكِي زَوْجَهَا، فَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ»([13]).زئرت المرأة: على بعلها نشزت، وتجرأت.والمذمومون: هم الذين يبالغون في ضرب النساء، ويُكثرون منه عند نشوز المرأة، أو بلا داعي معتد به شرعاً وعرفاً.ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل؛ لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية.ثانيًا: تجليات الله بأسرار معاني اسمه الودود على استقرار الأسرة المسلمةالودود:الودُّ: الحبُّ.والوَدُودُ المحِبُّ، والمُحَب.ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "أما (الودود) ففيه قولان:أحدهما: أنه بمعنى فاعل، وهو الذي يُحِبُّ أنبياءه، ورسله، وأولياءه، وعباده المؤمنين.والثاني: أنه بمعنى مودود، وهو المحبوب الذي يستحقُّ أن يُحَبَّ الحبَّ كلَّه، وأن يكون أحبَّ إلى العبد من سمعه، وبصره، وجميع محبوباته"([14]).تأمل معي هذه الآية الفذَّة التي يُبَين الله الخالق فيها أثر اسمه الودود بين الزوجين:قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}[الروم:21].تجليات الله باسمه الودود على الحياة الزوجية:فالزوجان الذين سلكا الطريق الحلال في الزواج الشرعي؛ يكونان من قبل الزواج متجاهلين؛ فيصبحان بعد الزواج متحابين.وإيجاد حب الزوجة في قلب الزوج حكمة بالغة؛ فإنه لولا هذا الحب؛ لما حصل التوالد والتناسل، ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل.فتبارك الذي أودع المحبة في قلوب الزوجين، ثم لم يزل ينميها، ويقويها؛ حتى وصلت إلى حالة تتضاءل عندها جميع الهموم والمشاكل، وتسليهم، وتهون عليهم المصائب، وتُلَذِذ لهم مشقة العلاقة، وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الأُنْس، والقرب من ربهم.عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ، يَقُولُ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ»([15]).فالأجساد الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاح تلتقي فِي الدُّنْيَا؛ فتأتلف وتختلف على حسب مَا جُعِلَت عَلَيْهِ من التشاكل والتنافر فِي بَدْء الْخلقَة.وقال بعض الأطباء العشق امتزاج الروح بالروح؛ لما بينهما من التناسب والتشاكل، فإذا امتزج الماء بالماء؛ امتنع تخليص بعضه من بعض؛ ولذلك تبلغ المحبة بين الشخصين؛ حتى يتألم أحدهما بتألم الآخر، ويسقم بسقمه وهو لا يشعر.حث النبي ﷺ على الزواج من المرأة الودود:عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا، قَالَ: «لَا» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»([16]).والودود المحبوبة بكثرة ما هي عليه من خصال الخير، وحسن الخُلُق، والتحبب إلى زوجها بلطف أخلاقها وخدمتها.والمرأةَ إذا اشتدَّت محبتُها لزوجها؛ تُلاعِبُ زوجَها، وتَطيبُ نفْسَها، فيَكثُر جريانُ الوَطء بينهما، ويَكثُر الأولادُ بينهما، وإذا كثُر الأولادُ تَكثُر أمَّةُ محمَّدٍ - ﷺ -.وَعَنْ أَبِي أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ tأَنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - قَالَ: " خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ، الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ»([17]).وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﭭ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى»([18]).وحب الرجل للمرأة نوعان:-        طبيعي/ الميل الجبلي، الذي لا يُدْفَع.-        اختياري: يُكتسب بالأخذ بأسبابه.فالأول: مصداقه: قوله: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ}[النساء:129]يدل على أن المحبة أمر قهري، وأن للتعلق بالمرأة أسبابًا توجبه؛ قد لا تتوفر في بعض النساء، فلا يكلف الزوج بما ليس في وسعه من الحب والاستحسان.وأما الثاني: فهو اختياري، وهو أن يروضَ الزوجُ نفسهَ على الإحسان لامرأته، وتحمل ما لا يلائمه من خلقها، أو أخلاقها ما استطاع، وحسن المعاشرة لها؛ حتى يحصل من الإلف بها، والحنو عليها؛ اختيارًا بطول التكرر والتعود ما يقوم مقام الميل الطبيعي.عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ...»([19]). الطِّيبُ أَخَصُّ الذَّاتِ بِالنَّفْسِ، وَمُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ أَلَذُّ الْأَشْيَاءِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَدَنِ مَعَ مَا يَتَضَمَّنُ مِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَبَقَاءِ النَّسْلِ الْمُسْتَمِرِّ لِنِظَامِ الْوُجُودِ، ثُمَّ إِنَّ مُعَامَلَةَ النِّسَاءِ أَصْعَبُ مِنْ مُعَامَلَةِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَرَقُّ دِينًا، وَأَضْعَفُ عَقْلًا، وَأَضْيَقُ خُلُقًا.وَقَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ: الْأَنْبِيَاءُ زِيدُوا فِي النِّكَاحِ؛ لِفَضْلِ نُبُوَّتِهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النُّورَ إِذَا امْتَلَأَ مِنْهُ الصَّدْرُ؛ فَفَاضَ فِي الْعُرُوقِ؛ الْتَذَّتِ النَّفْسُ وَالْعُرُوقُ؛ فَأَثَارَ الشَّهْوَةَ وَقَوَّاهَا.عبودية الزوجين باسم الله الودود في علاقتهما:1-   أن تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة، غالبة كل محبة، وبقية المحاب تبعًا لها، ومحبة الله هي روح الأعمال، وجميع العبوديات الظاهرة والباطنة ناشئة عن محبة الله"([20]).2-   أن يشكر الزوجان الله على أن جعل المحبة بينهما، فحبهما لبعضهما منه I، ويسعى كل منهم لتنمية هذه المحبة بالأخذ بأسبابها، فالله غرس المحبة، وعليهما الري، والرعاية، والتفنن في الزيادة.وعليهما أن يعاملا بعضهما بالمودة والمحبة وسعة الصدر؛ فيحسن كل منهما للآحر، ويكرمه، ويثني عليه بما فيه من خير، ويستر ما يعلمه منه من العيوب والنقائص.ومما يثبت المودة بين الزوجين ألا يذكر الرجل امرأة أخرى بوصف جمالها، ورقتها، وحسن تعاملها.3-   إظهار المحبة والود بالكلمات والأفعال؛ فيتحدث أفراد الأسرة مع بعضهم البعض بلطف واحترام، ويتجنبون العبارات الجارحة أو التوبيخ الذي قد يؤذي مشاعر الآخرين.ثالثًا: تجليات الله بأسرار معاني اسميه الرحمن الرحيم على استقرار الأسرة المسلمةالرحمة هي حجر الأساس لأي علاقة أسرية ناجحة، وهي أثر من آثار رحمة الله في سلوك الأسرة المسلمة.(الرحمن): هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة.  وأما اسم (الرحيم): فهو ذو الرحمة للمؤمنين.فمن رحمته بالزوجين: أنهما قبل الزواج لا عاطفة بينهما؛ فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة.والرحمة: صفة تبعث على حسن المعاملة؛ فإن الزوجة قد تخرج عن محل الشهوة بكبر، أو مرض ويبقى قيام الزوج بها، وبالعكس.تأمل معي هذه الآية قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:21].عن ابن عباس 0 رضي الله عنهما- قال: «الْمَوَدَّةُ حُبُّ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَالرَّحْمَةُ رَحْمَتُهُ إِيَّاهَا أَنْ يُصِيبَهَا بِسُوءٍ» ([21]).خلق الله في المرأة موضع الشهوة ليسكن إليها زوجها: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ}  [الشعراء: 166] فَأَعْلَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرِّجَالَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ خُلِقَ مِنْهُنَّ لِلرِّجَالِ؛ فَعَلَيْهَا بَذْلُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَدْعُوهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ مَنَعَتْهُ؛ فَهِيَ ظَالِمَةٌ وَفِي حَرَجٍ عَظِيمٍ، وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا»([22]).وفيه: 1-   أن أقوى التشويشات على الرجل داعي الجماع؛ ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك. والحبيب لا يعذب حبيبه.2-   ليس الحيض بعذر في الامتناع؛ لأن له حقاً في الاستمتاع بها فوق الإزار.3-   تحريم امتناع الزوجة من فراش زوجها لغير عذر شرعي. والمرأة في ذلك بخلاف الرَّجل، فلو دعت المرأة زوجها إلى ذلك لم يجب عليه إجابتها، إلاَّ أن يقصد بالامتناع مضارَّتها، فيحرم عليه ذلك. والفرق بينهما: أن الرَّجل هو الذي ابتغى بماله، فهو المالك للبضع. والدرجة التي له عليها هي السلطنة التي له بسبب ملكه. وأيضًا: فقد لا ينشطُ الرَّجل في وقت تَدعُوه، فلا ينتشر، ولا يتهيأ له ذلك، بخلاف المرأة.وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، ...»([23]).فالرجل يمسك المرأة رحمة بها:1-    إما لمحبته لها، 2-   أو لرحمة بها، بأن يكون لها منه ولد،3-   أو محتاجة إليه في الإنفاق، 4-   أو للألفة بينهما، وغير ذلك.رحمة الزوجين بأولادهما: عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ:فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ»([24]).أني لا أقدر أن أضع الرحمة في قلبك، وقد نزعها الله من قلبك.فالرحمة بالولد الصغير، ومعانقته، وتقبيله، والرفق به من الأعمال التى يرضاها الله ويجازى عليها. وكذلك يفعل الزوج مع زوجته عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُقَبِّلُنِي... »([25]).رابعًا: تجليات الله بأسرار معاني اسمه الرزاق على استقرار الأسرة المسلمةاسم الله "الرزاق" يعزز في الأسرة الشعور بالثقة في الله وتوكله فيما يتعلق برزقهم ومعيشتهم. من خلال الإيمان بأن الله هو الرزاق، تنشأ داخل الأسرة روح الرضا والقناعة بما قسم الله لهم، ويحد من الشعور بالقلق المالي أو المادي. هذه القناعة؛ تولد داخل الأسرة شعورًا بالسعادة والاستقرار، بعيدًا عن ضغوطات الحياة المادية.معنى اسم الله الرزَّاق: (الرزاق) لجميع عباده فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ورزقه لعباده نوعان:1.    رزق عام شمل البر والفاجر، والأولين والآخرين، وهو رزق الأبدان.2.    ورزق خاص: وهو رزق القلوب وتغذيتها بالعلم والإيمان، والرزق الحلال ومنه الزوج الصالح الذي يعين على صلاح الدين. وهذا خاص بالمؤمنين على مراتبهم منه بحسب ما تقتضيه حكمته ورحمته"([26]).عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ ﷺ «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»([27]).فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حُبَّهَا فَضِيلَةٌ حَصَلَتْ له.فالمرأة الصالحة رزق إلهي، وكذلك الزوج الصالح رزق، وعضد، وسند، وصيانة وحماية؛ وكلاهما رزق للآخر يستحق الشكر للمنعم سبحانه وتعالى.سبب حب النبي ﷺ لخديجة رضي الله عنها:قال النبي ﷺ أن سبب حبه لها: أنها آمنت بي؛ إذ كفر بي الناس، وصدقتني؛ إذ كذبني الناس، وواستني بمالها؛ إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدَها؛ إذ حرمني أولادَ النساء".وكان مكافأة الرسول ﷺ لها:أنه لم يتزوج عليها إلى أن ماتت؛ فصان قلبها من الغيرة، ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك، وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها. تحذير نبوي:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، أَوْ أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا؛ لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ رَازِقُهَا»([28]).في الحديث:تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها كزوجين لرجل في وقت واحد؛ لما في ذلك:-        من عداوات تقع بين الضرائر؛ فتنقطع بذلك الأرحام.-        وتعادي البنت عمتها وخالتها.-        وتعادي العمة بنت أخيها.-        وتعادي الخالة بنت أختها.وفيه التحريم على المرأة التي ترغب في الزواج من رجل أن تطلب منه وأن تشترط عليه قبل زواجه بها أن يطلق امرأته التي في عصمته؛ حتى تنفرد هي به، والتحريم على الزوجة أن تطلب من زوجها أن يطلق ضرتها؛ لتنفرد هي به، وعلى أي امرأة أن تطلب من أي رجل أن يطلق زوجته لتحل محلها، أو لمجرد أن تقطع عيشها.وهكذا يسد الإسلام منافذ العداوة والبغضاء، لتبقى نوافذ المحبة والمودة مفتوحة بين المسلمين.خامسًا: تجليات الله بأسرار معاني اسمه الجميل على استقرار الأسرة المسلمةعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍt عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ»([29]).قال النووي – رحمه الله – "المختار: جواز إطلاقه على الله تعالى"([30]).وجمّلَّه: زيّنه ([31]).والجميل في حق الله:  "من له نعوت الحسن والإحسان"([32]).معناه أن كلَ أمرهِ سبحانه وتعالى حسنُ جميل.وقيل معناه جميل الأفعال بكم؛ باللطف، والنظر إليكم؛ يكلفكم اليسير من العمل، ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه.فجمال الزوجة أثر من أسماء الله الجميل، وجمال الزوج كذلك. قال ابن القيم- رحمه الله-: وهو الجميل على الحقيقة كيف لا وجمال سائر هذه الأكـــــــــــــــــــــوان من بعض آثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار الجميل فربها أولى وأجدر عند ذي العرفان فجماله بالذات والأوصـــــــــــــــــــــــــــــــــاف والـ أفعال والأسماء بالبرهـــــــــــــــــــــان تجمل الزوجين لبعضهما: قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:228]أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة.عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما- قَالَ: " إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَنْظِفَ جَمِيعَ حَقِّي عَلَيْهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] "([33]). قال العلماء: "أما زينة الرجال؛ فعلى تفاوت أحوالهم؛ فإنهم يعملون ذلك على الليق- اللياقة-، والوفاق، فربما كانت زينة تليق في وقت، ولا تليق في وقت، وزينة تليق بالشباب، وزينة تليق بالشيوخ ولا تليق بالشباب"؛ ليكون عند امرأته في زينة تَسُرَها، ويعفها عن غيره من الرجال".وكان محمد بن الحسن - رحمه الله- يلبس الثياب النفيسة؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: «‌لي ‌نساء ‌وجوار ‌فأزين ‌نفسي؛ كيلا ينظرون إلى غيري»([34]). سادسًا: تجليات الله بأسرار معاني اسمه الستير على استقرار الأسرة المسلمة: عَنْ يَعْلَىt، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ »([35]).أي الله تارك للقبائح، ساتر للعيوب والفضائح، يحب الحياء والستر من العبد؛ ليكون متخلقًا بأخلاقه تعالى، فهو تعريض للعباد وحث لهم على تحري الحياء.المعنى في حق الله تعالى:قال ابن القيم - رحمه الله تعالى- : "وهو الحَييُّ فليس يفضح عبده عند التجاهر منه بالعصيان لكنه يُلقي عليه ستره؛ فهو الستير وصاحب الغفران"([36]).ويقول البيهقي- رحمه الله تعالى-: "قوله (سِتِّير) يعني أنه ساتر يستر على عباده كثيرًا ولا يفضحهم في المشاهد؛ كذلك يحب من عباده الستر على أنفسهم، واجتناب ما يشينهم"([37]).عبودية الأسرة باسم الله الستير:1.    يَحرُمُ إفشاءُ أسرارِ الزَّوجيَّةِ مِن أمورِ الاستِمتاعِ ووَصفِ تفاصيلِ ذلك، عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه قال: قال رَسولُ اللهِ ﷺ:  إنَّ مِن أشَرِّ النَّاسِ عندَ اللهِ مَنزِلةً يَومَ القيامةِ الرَّجُلَ يُفْضي إلى امرأتِه وتُفْضي إليه، ثمَّ يَنشُرُ سِرَّها([38]).في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته، من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه، من قول، أو فعل، ونحوه. وإن كان إليه حاجة، أو ترتب عليه فائدة، بأن يُنكَر عليه إعراضه عنها، أو تَدَّعِي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره.2.     الستر على أنفسهما، والستر على الناس، والبعد عن إشاعة الفاحشة بينهم. روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: »لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدنْيَا إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ«([39]).3.    الدعاء : (اللَّهم استر عوراتي، وآمن روعاتي)([40]).4.    الستر على الأخطاء والعيوب: يجب أن يسود في الأسرة مبدأ عدم التشهير بالأخطاء، أو كشف العيوب أمام الآخرين؛ لأن الله سبحانه يحب الستر.5.    تعزيز الحياء والحشمة: يجب أن يتمسك أفراد الأسرة المسلمة، خاصة في العلاقات بين الزوجين والأبناء، بالحشمة والحياء في اللباس والتعامل، وعدم تعريض النفس أو الآخرين للحرج أو الفضيحة.6.    حفظ الأسرار الأسرية: سواء كانت عاطفية، أو مالية، أو اجتماعية.7.    الإصلاح بالستر:عند حدوث خلافات أو مشاكل بين أفراد الأسرة؛ فإن اللجوء إلى الستر وإصلاح الأمور بدون فضح الطرف المخطئ؛ يعدّ من السلوكيات المهمة. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: »كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا المُجَاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ«([41]).8.    تربية الأبناء على قيمة الستر: من خلال تعليم الأبناء أهمية الحفاظ على حشمتهم، وستر عيوب الآخرين.ما يستثنى من السر:قال النووي- رحمه الله-: ... يكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها بل يقلع ويندم ويعزم أن لا يعود؛ فإن أخبر بها شيخه أو نحوه مما يرجو بإخباره أن يعلمه مخرجًا منها، أو ما يسلم به من الوقوع في مثلها، أو يعرفه السبب الذي أوقعه فيها، أو يدعو له أو نحو ذلك؛ فهو حسن؛ وإنما يكره لانتفاء المصلحة.وقال الغزالي- رحمه الله- : الكشف المذموم؛ إذا وقع على وجه المجاهرة والاستهزاء لا على السؤال والاستفتاء بدليل خبر من واقع امراته في رمضان؛ فجاء؛ فأخبر المصطفى ﷺ ؛ فلم ينكر عليه.وهكذا إذا تأملنا أسماء الله؛ لوجدنا آثارها ظاهرة على حياة الأسرة المسلمة التي بُنِيت على اسم الله، وأقيمت على رضاه، ويأمل أفرادها أن يجمعهم ربهم في فردوس الدنيا على المودة والرحمة، وفي فردوس الآخرة على سرر متقابلين في جنات النعيم.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ* د. توفيق زبادي: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. أستاذ التفسير وعلوم القرآن وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. [1] سنن الترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّظَرِ إِلَى المَخْطُوبَةِ،( 1087)، قال الألباني: صحيح. [2] مقاييس اللعة، ابن فارس:1/ 468. [3] مفردات غريب القرآن، للأصفهاني: 200. [4] المحرر الوجيز، ابن عطية :2/ 451. [5] رواه مسلم: بَابُ بَيَانِ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ،( 1887). [6] شأن الدعاء ص 49. [7] رواه مسلم: بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالنِّسَاءِ، (1468). [8] شرح النووي على مسلم: 10/ 57. [9] رواه الطبراني،(787)،وقال الهيثمي : فِيهِ هَاشِمُ بْنُ عِيسَى الْبَزِّيُّ وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ. [10] مسند أحمد، مسند عائشة،(24392)، قال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. [11] سنن أبي داود، (2142 )، حسن صحيح. [12] صحيح البخاري: بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ،( 5204). [13] سنن ابن ماجه: بَابُ ضَرْبِ النِّسَاءِ،( 1985). قال الألباني: حسن صحيح [14] جلاء الأفهام ص 447. [15][15] صحيح البخاري،( 3336). [16] سنن أبي داود: باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء،( 2050)، قال الألباني: حسن صحيح. [17] الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، صهيب عبد الجبار، (34/384)، انظر الصَّحِيحَة: 1849. [18] السنن الكبرى للنسائي،(9094)، حديث: حسن. [19] مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أنس بن مالك(12294)، حديث حسن،(صَحِيح الْجَامِع، 3124). [20] الحق الواضح المبين. [21] تفسير القرطبي:14/ 17, [22] رواه مسلم، بَابُ تَحْرِيمِ امْتِنَاعِهَا مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا،( 1436). [23] رواه الترمذي: بَابُ مَا جَاءَ فِي رَحْمَةِ الْمُسْلِمِينَ،( 1924)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [24] صحيح البخاري، بَابُ رَحْمَةِ الوَلَدِ، وَتَقْبِيلِهِ، وَمُعَانَقَتِهِ، ( 5998). وأخرجه مسلم في الفضائل باب رحمته ﷺ الصبيان والعيال. . رقم 2317 [25] صحيح مسلم:  بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُبْلَةَ فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ،(1106). [26] ينظر: تفسير السعدي 5/302. [27] صحيح مسلم،( 2435). [28] صحيح مسلم، (1408). [29] رواه مسلم،( 91). [30] شرح النووي على مسلم: 2/ 90. [31] اللسان (جمل) (2/ 683 - 685). [32] توضيح الكافية الشافية (ص117). [33] مصنف ابن أبي شيبة،( 19263). [34] المحيط البرهاني: (5/ 343 سنن أبي داود: بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّعَرِّي، (4012)، قال الألباني: صحيح. [36] النونية، لابن القيم:  2/227.. [37] الأسماء والصفات، للبيهقي:  ص 91. [38] أخرجه مسلم (1437). [39] رواه مسلم،(2590) [40]سنن أبي داود (5074)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4239). [41] صحيح البخاري برقم (6069)، صحيح مسلم برقم (2990)

الرئيسية حملات الحملة العالمية لحماية الأسرة تجليات أسماء الله الحسنى وأثرها في استقرار الأسرة المسلمة توفيق زبادي 17/09/2025 | 9:47 AM 166 الحملة العالمية لحماية الأسرة الرابط المختصر : تجليات أسماء الله الحسنى وأثرها في استقرار الأسرة المسلمةبقلم: د. توفيق زبادي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تمهيد: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق ﷺ.وبعد،فإن الله I يحب أن تكون الحياةُ الأسرية موصولةَ به I في كل حال.فالمؤمن الذي سمع اللهI يقول: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء}[النساء:3]؛ امتثل أمر ربهI، واجتهد في البحث والسؤال عن المرأة ذات الدين، الجميلة، العفيفة، ولما سمع رسول الله ﷺ  يقول «انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا»([1])،  أي نظرًا تحصُلُ الأُلْفةُ والمحبَّةُ؛ امتثل لنصيحة رسول الله ﷺ ، ولما سمع اللهI يقول  {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النساء:4]، امتثل لأمر ربهI، فأعطى زوجته مهرها عن طيب نفس، ولما بدأ حياتهما الأولى في أول لقاء بينهما سمع اللهI يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[ البقرة:228]؛ فامتثل أمر ربهI؛ فتزَّين لزوجته كما تتزين له، وسمع قول النبي ﷺ (أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ)؛ فلاعب زوجته وهيئها لقضاء الشهوة، وسمع رسول الله ﷺ يقول: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا"؛ ورزقهما الله الولد، وسمع رسول الله ﷺ يقول: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»؛ فامتثل لنصيحة رسوله ﷺ وسمَّى ابنه عبد الله.فهو مع الله في كل حال من أحوال حياته الزوجية.معنى التجلي في اللغة والاصطلاح:جلو:وَهُوَ انْكِشَافُ الشَّيْءِ وَبُرُوزُه([2]).أصل الجَلْو: الكشف الظاهر.والتَّجَلِّي:قد يكون بالذات نحو: {وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى} [الليل: 2]، وقد يكون بالأمر والفعل، نحو: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: 143]([3]).تجلى الله للجبل بقدرته وسلطانه([4]).والتجلي حقيقة الظهور، وإزالة الحجاب.وقد ورد في حديث الرؤية «فَاطَّلَعَ إِلَيهِم رَبُّهُم عز وجل اطِّلَاعَةً»([5])، أي: تجلى لهم برفع حجبهم، وكلمهم مشافهة بغير واسطة، مبالغة في الإكرام، وتتميمًا للإنعام.تجليات الله بأسرار معاني أسمائه الخالق البارئ المصورعلى استقرار الأسرة المسلمةاسم الله الخالق: الناسُ قلما يتذكرون يدَ الله التي خَلَقَت لهم من أنفسهم أزواجًا، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلت في تلك الصلة سكنًا للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر، واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء.و(الخالق) هو المبدع للخلق، المخترع له على غير مثال سابق([6]).وقال تعالى: {اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1].وَهِيَ حَوَّاءُ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، خُلِقَتْ مِنْ ضِلعه الْأَيْسَرِ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ؛ فَاسْتَيْقَظَ فَرَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ، فَأَنِسَ إِلَيْهَا، وَأَنِسَتْ إِلَيْهِ.وتفسير ذلك فيما رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا»([7]).(لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ) أي: لن تستمر ولن تدوم على حالة واحدة مستقيمة، بل تنقلب عن حالها من الشكر إلى الكفران، ومن الإطاعة إلى العصيان، ومن القناعة إلى الطغيان.وفيه دليل لما يقوله الفقهاء أو بعضهم أن حواء خلقت من ضلع آدم، وبين النبي ﷺ أنها خلقت من ضلع.ويحتمل أن يكون هذا قصد به المثل. فيكون معنى (من ضلع) أي: من مثل ضلع.وفي هذا الحديث ملاطفة النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا يطمع باستقامتها([8]).الحديث يدلّ على تشريف المرأة وتكريمها؛ ذلك أن المعنى في خلق المرأة من ضلع يناسب الوظيفة التي خلقها الله تعالى لها، وهي الحنو والعطف على الزوج والولد، وهذا الوصف هو أعلى ما فيها من حيث الرفعة.قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى. مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}[النجم:45-46]الله خالق الأزواج من الإنسان خلقًا بديعًا من نطفة؛ فيصير إلى خصائص نوعه، وحسبك بنوع الإنسان تفكيرًا، أو مقدرة وعملًا.التجليات الإلهية على الأسرة المسلمة:-        فمن تجليات اسم الله الخالق أن جعل الزواج: أساس التناسل، وهو نظام عجيب جعله الله مرتكزًا في الجبلة لا يشذ عنه إلا الشذاذ.-        أن الله I جعل التناسل بالتزاوج الذي يحدث به اللذة بين الزوجين، ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه.-         وأن جعل أزواج الإنسان من صنفه، ولم يجعلها من صنف آخر؛ لأن التآنس لا يحصل بصنف مخالف.-         وأن جعل في ذلك التزاوج أنسًا بين الزوجين، ولم يجعله تزاوجًا عنيفًا، أو مهلكًا كتزاوج الضفادع.وتأمل قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}[الحشر:24]وإنما ذكرت هذه الصفات متتابعة؛ لأن من مجموعها يحصل تصور الإبداع الإلهي للإنسان؛ فابتدئ بالخلق الذي هو الإيجاد الأصلي، ثم بالبرء الذي هو تكوين جسم الإنسان، ثم بالتصور الذي هو إعطاء الصورة الحسنة، كما أشار إليه قوله تعالى{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَك}[الانفطار:7-8]، {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}[آل عمران:6].عبودية الزوجين بهذه الأسماء:1-    أن يتذكرا فضلَ اللهِ عليهما بحسن الخِلْقة، وجمال الصورة والهيئة، وأنهما خُلقا بهذا الإبداع والجمال؛ ليستمتعا ببعضهما البعض، ويتفنن كل منهما بإظهار جماله للآخر، وعندما ينظر لبعضهما يقول كل منهما تبارك الله أحسن الخالقين، وعندما ينظرا في المرآة يدعو الله بدعاء سيد الخلق، وحبيب الحق: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّى خَلْقِي فَعَدَلَهُ، وصَوَّرَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَهَا، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»([9]).2-   أن يكرم كل منهما نفسه بإبعادها عن المخالفات في العلاقة الزوجية، واتباع المحرمات، ويستفرغا جهدهما في اكتساب صفات الخير، وحسن الخُلُق مع حبيبه وقرينه؛ الذي اختاره الله له، ويدعو بدعاء النبي ﷺ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: " اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَأَحْسِنْ خُلُقِي " ([10]).فجمال خَلْق الزوجين جمال رباني، وليس جمالًا ذاتيًا.والرسالة للزوجين: جَمِّلا أخلاقكما لبعضكما كما جمَّل الله خَلْقُكما  3-   الإبداع في إدارة الحياة الأسرية بما يزيد من المحبة، والرعاية الراشدة للأولاد.4-   فهم وتقدير الصفات والطبائع المختلفة بين الزوجين، وبين الأولاد.5-   أن يمتثل لأمر رسول الله ﷺ في قوله : "ولا تضربِ الوَجهَ، ولا تُقَبِّح"([11])؛ وذلك لأنَّ الوَجهَ أعظَمُ الأعضاءِ وأشرَفُها، وأظهَرُها ومشتمِلٌ على مُعظَمِ أجزاءِ الحواسِّ. "ولا تُقبِّحِ"، أي: لا تَسُبَّها بقُبحِ الوجهِ؛ فلا تَقُلْ: قَبَّح اللهُ وجهَكِ؛ قيل: إنَّما نُهِي عن تقبيحِ الوجهِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى صَوَّر وجْهَها وجِسمَها وأحسنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَه، وذمُّ الصنعةِ يعودُ إلى مَذمَّةِ الصانعِ.ما يكره من ضرب النساء:عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَt، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ العَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ اليَوْمِ»([12]).وعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَضْرِبُنَّ إِمَاءَ اللَّهِ» ، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَأْمُرْ بِضَرْبِهِنَّ، فَضُرِبْنَ، فَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ ﷺ طَائِفُ نِسَاءٍ كَثِيرٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: «لَقَدْ طَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً، كُلُّ امْرَأَةٍ تَشْتَكِي زَوْجَهَا، فَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ»([13]).زئرت المرأة: على بعلها نشزت، وتجرأت.والمذمومون: هم الذين يبالغون في ضرب النساء، ويُكثرون منه عند نشوز المرأة، أو بلا داعي معتد به شرعاً وعرفاً.ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل؛ لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية.ثانيًا: تجليات الله بأسرار معاني اسمه الودود على استقرار الأسرة المسلمةالودود:الودُّ: الحبُّ.والوَدُودُ المحِبُّ، والمُحَب.ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "أما (الودود) ففيه قولان:أحدهما: أنه بمعنى فاعل، وهو الذي يُحِبُّ أنبياءه، ورسله، وأولياءه، وعباده المؤمنين.والثاني: أنه بمعنى مودود، وهو المحبوب الذي يستحقُّ أن يُحَبَّ الحبَّ كلَّه، وأن يكون أحبَّ إلى العبد من سمعه، وبصره، وجميع محبوباته"([14]).تأمل معي هذه الآية الفذَّة التي يُبَين الله الخالق فيها أثر اسمه الودود بين الزوجين:قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون}[الروم:21].تجليات الله باسمه الودود على الحياة الزوجية:فالزوجان الذين سلكا الطريق الحلال في الزواج الشرعي؛ يكونان من قبل الزواج متجاهلين؛ فيصبحان بعد الزواج متحابين.وإيجاد حب الزوجة في قلب الزوج حكمة بالغة؛ فإنه لولا هذا الحب؛ لما حصل التوالد والتناسل، ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل.فتبارك الذي أودع المحبة في قلوب الزوجين، ثم لم يزل ينميها، ويقويها؛ حتى وصلت إلى حالة تتضاءل عندها جميع الهموم والمشاكل، وتسليهم، وتهون عليهم المصائب، وتُلَذِذ لهم مشقة العلاقة، وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الأُنْس، والقرب من ربهم.عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ، يَقُولُ: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ»([15]).فالأجساد الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاح تلتقي فِي الدُّنْيَا؛ فتأتلف وتختلف على حسب مَا جُعِلَت عَلَيْهِ من التشاكل والتنافر فِي بَدْء الْخلقَة.وقال بعض الأطباء العشق امتزاج الروح بالروح؛ لما بينهما من التناسب والتشاكل، فإذا امتزج الماء بالماء؛ امتنع تخليص بعضه من بعض؛ ولذلك تبلغ المحبة بين الشخصين؛ حتى يتألم أحدهما بتألم الآخر، ويسقم بسقمه وهو لا يشعر.حث النبي ﷺ على الزواج من المرأة الودود:عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا، قَالَ: «لَا» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ»([16]).والودود المحبوبة بكثرة ما هي عليه من خصال الخير، وحسن الخُلُق، والتحبب إلى زوجها بلطف أخلاقها وخدمتها.والمرأةَ إذا اشتدَّت محبتُها لزوجها؛ تُلاعِبُ زوجَها، وتَطيبُ نفْسَها، فيَكثُر جريانُ الوَطء بينهما، ويَكثُر الأولادُ بينهما، وإذا كثُر الأولادُ تَكثُر أمَّةُ محمَّدٍ - ﷺ -.وَعَنْ أَبِي أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ tأَنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - قَالَ: " خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ، الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ»([17]).وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﭭ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى»([18]).وحب الرجل للمرأة نوعان:-        طبيعي/ الميل الجبلي، الذي لا يُدْفَع.-        اختياري: يُكتسب بالأخذ بأسبابه.فالأول: مصداقه: قوله: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ}[النساء:129]يدل على أن المحبة أمر قهري، وأن للتعلق بالمرأة أسبابًا توجبه؛ قد لا تتوفر في بعض النساء، فلا يكلف الزوج بما ليس في وسعه من الحب والاستحسان.وأما الثاني: فهو اختياري، وهو أن يروضَ الزوجُ نفسهَ على الإحسان لامرأته، وتحمل ما لا يلائمه من خلقها، أو أخلاقها ما استطاع، وحسن المعاشرة لها؛ حتى يحصل من الإل
مشاركة

Error category videos cards

قد يعجبك

قد يعجبك

تابعونا على تويتر انضم إلينا على الفيسبوك
أخبار بلادي ـ أخبار عاجلة، تطبيق الأخبار العربي رقم واحد