قانون أوروبا الأخضر في مهبّ الغاز القطري
مشاركة
برز الأسبوع الماضي خبر لافت أشار إلى توتّر بين الدوحة وبروكسل. التوتّر يعود إلى تحذير قطري من احتمال إعادة توجيه الصادرات القطرية من الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق بديلة، إذا لم يُعدّل الاتحاد الأوروبي قانون "العناية الواجبة في الاستدامة المؤسسية" (CSDDD)، الذي أُقرّ رسمياً في يونيو/حزيران 2024.

وأوضح الدليمي في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، أن هذا القانون سيفرض أعباء مالية كبيرة على قطر، ليس فقط على مستوى شركة "قطر للطاقة"، بل أيضاً على كل من شارك في تطوير البنية التحتية لإنتاج الغاز، بمن في ذلك المقاولون، وكذلك شركات التشغيل. وأضاف: "في حال طُبّق القانون بصيغته الحالية، قد تصبح صادرات الغاز إلى أوروبا غير مجدية اقتصادياً، بل قد تُكبّد الدوحة خسائر مباشرة، وهو أمر غير مقبول من منظور تجاري واستراتيجي". واعتبر أن المنطق التجاري لا يسمح لقطر بتصدير الغاز إلى أوروبا إذا كانت النتائج المالية سلبية بسبب الغرامات، مضيفاً: "هذا واقع غير عقلاني".

وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كانت تهديدات قطر مجرّد ورقة ضغط، أكد الدليمي أن الدوحة قد تلجأ فعلياً إلى وقف الإمدادات، في حال أصرّ الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون بصيغته الحالية، مشيراً إلى أن قطر لا تمانع الدخول في مفاوضات لتحسين فعالية سبل تقليل الانبعاثات الكربونية، لكنها ترفض العقوبات المالية المشروطة. وتوقّع أن تُسفر المفاوضات عن التوصل إلى تسويات تقنية أو بيئية، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية متبادلة، بحسب تعبيره.

في هذا السياق، يربط الخبير القطري في شؤون الطاقة عبد العزيز الدليمي احتمالات حدوث أزمة طاقة أوروبية، بقرار الدوحة النهائي بشأن التصدير، مشيراً إلى أن البدائل الأمريكية أو الكندية ليست كافية أو مضمونة، خصوصاً مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. ويتساءل: "هل سيجرؤ الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون على الولايات المتحدة، وهي التي سبق أن انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ؟" ويجيب: "لا أعتقد ذلك"، داعياً في المقابل إلى إعادة النظر في القانون، ومؤكداً أن قطر تتخذ خطوات جدّية، نحو خفض الانبعاثات، وتستثمر في مشاريع صديقة للبيئة.

وتوضح هايتيان في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي أن التزامات القانون لا تقتصر على شركة قطر للطاقة، بل تمتد لتشمل سلسلة الإمداد بأكملها، من الموردين الكبار إلى الشركات الصغيرة، بل حتى "شركات القهوة" المتعاملة مع "قطر للطاقة"، بحسب تعبيرها. وتضيف أن تطبيق هذا القانون يتطلّب موارد ضخمة، فيما قد تصل الغرامات في حال عدم الامتثال لما ورد فيه من التزامات إلى 5 في المئة من الإيرادات العالمية، وهو ما ترفضه الدوحة تماماً.

وتتفق هايتيان مع الدليمي في التشكيك في إمكانية التزام واشنطن الصارم ببنود القانون الأوروبي الجديد، ما يثير تساؤلات حول مدى تطبيق الاتحاد لمعاييره بشكل متوازن على جميع الشركاء. وتلفت هايتيان إلى أن التشريع الجديد لا يواجه رفضاً من الموردين فقط، بل يثير تحفظات لدى عدد من الشركات الأوروبية التي تعتبره صعب التطبيق، ما يعزّز فرص تعديل شروطه أو تخفيفها في المرحلة المقبلة.

أما بشأن الخيارات البديلة أمام قطر، فتشير لوري هايتيان، إلى أن أسواقاً في آسيا وأفريقيا، وعلى رأسها الصين، تمثل بديلاً استراتيجياً محتملاً، في حال تعثّرت العلاقات مع أوروبا. وتستند في ذلك، إلى أحدث البيانات الرسمية التي تُظهر أن الصين تحتل المرتبة الأولى في استيراد الغاز القطري، مع توقيع اتفاقيات توريد تمتد حتى 27 عاماً، مع شركات صينية كبرى.

ويشرح الهاجري في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي: " لدى قطر عقود طويلة الأجل مع معظم الدول الأوروبية، وبالتالي الانسحاب منها أو ممارسة أي أمور تخلّ بهذه الاتفاقيات، يمكن أن يعرّضها لمخاطر قانونية وأيضاً لغرامات تجارية". ويضيف: "أتوقع أن تحافظ قطر على سمعتها كمصدر موثوق لبيع الغاز المسال، لأنه برأيي، في حال هدّدت بفسخ العقود الآجلة، فإن ذلك سيؤدّي إلى امتناع كثيرين عن توقيع عقود آجلة معها في المستقبل".

في الختام، يبدو أن موقف قطر يمثّل اختباراً حقيقياً لقدرة الاتحاد الأوروبي على الموازنة بين أولوياته البيئية ومسؤولياته الاقتصادية. أما فيما يخص التهديد القطري، سواء تحقّق أو لم يتحقق، فهو يُشكّل رسالة سياسية واضحة: لا يمكن بناء نظام استدامة عالمي يقوم على معايير أحادية، بل يجب أن يكون – بحسب الدوحة - ثمرة شراكة متوازنة تحترم السيادة وتراعي الاختلافات الاقتصادية والتنموية بين الدول على اختلافها. وأنه بينما تؤكد قطر استعدادها للتعاون البيئي وتطوير تقنيات خفض الانبعاثات، فإنها ترفض أن تُحمّل الكلفة القانونية والمالية للقانون الجديد. وبالتالي، فإن الرسالة القطرية تبدو جليّة الحفاظ على أمن الطاقة في أوروبا يمرّ عبر توازن المصالح، وليس عبر فرض المعايير الأحادية، وفقا لرؤية الدوحة.

مشاركة
1 2 3 4 ... 18

قد يعجبك

تابعونا على تويتر انضم إلينا على الفيسبوك
Egypt News - أخبار مصر، التطبيق الإخباري الأول في جمهورية مصر العربية